المنتدى الثقافي- مجدلزون ***CULTURAL FORUM OF MAJDELZOUN ***CFM
مجدلزون...
عروس تنام على هضابٍ وتلال...
تسترخي بين احضان الطبيعة...
يعبق فيحها اريجاً وزهور...
تنادي المدى...
تحاكي الزمن لتعطيه بعضاً مما عندها...
انها حكاية لا تنته...
وبداية تتجدد كل يوم...ا
------------------------------------------------
قرية تنام على مخدة البحر.....وفراش السهل.....حين تنظر بعينها....تجد تلك المدينة التي من شدة عشقها للبحر....سكنت قلبه........انها مدينة الامام الصدر صور ....وتنظر بالعين الاخرى فتجد مجموعة من اخوتها القرى الذين قطعوا معها.....عهد البقاء مع الخط المقاوم الممانع.......واذا نظرت الى الاعلى تشعر لنيف من الوقت...... انك في معبد لشدة روحانية الموقع.......كلام يطول فقط في معجم الرؤية من تلك القرية...........فكيف اذا قررنا وصفها بشكل كامل......كانني استطيع ان اسخر جميع الصفات التي احتوتها ثقافتي....وابقى مقصر..........انها مجدل زون قرية الجبل والبحر والسهل...قرية الحب ..والجمال......ا
----------------------------------------------------
يستوقفني اسم ضيعتي..خاصة اول جزء منه..وكانه اشتق من المجد..لا بل هو اشتق منه..فلمجدلزون اكثر من حكايةمع المجد و العزة..منذ الامام الصدر اعاده الله و حتى يومنا هذا..تغيرت الرايات او تلونتّ!! لا يهم..لان الجوهر واحد..و الطريق واحد. بل يكفي القول انه ما دامت راية الحسين تجمع كل الرايات فمجدلزون بخير لا بل الجنوب كله بخير...لقد زفت مجدلزون اكثر من مرة..و في كل مرة يكون زفافا جماعيا.. زفافا حسينيا..لقد شهدت بعضا من هذه الاحتفالات...تالفت هذه البلدة في اثواب زفافها...بيضاء ناصعة..بيضاء شامخة..تحكي في كل مرة حكاية غز و مجد لتتكرس كما ارادها الامام الصدر قرية من قرى الصمود و المواجهة..و قلعة من قلاع الانتصار..
المنتدى الثقافي- مجدلزون ***CULTURAL FORUM OF MAJDELZOUN ***CFM
مجدلزون...
عروس تنام على هضابٍ وتلال...
تسترخي بين احضان الطبيعة...
يعبق فيحها اريجاً وزهور...
تنادي المدى...
تحاكي الزمن لتعطيه بعضاً مما عندها...
انها حكاية لا تنته...
وبداية تتجدد كل يوم...ا
------------------------------------------------
قرية تنام على مخدة البحر.....وفراش السهل.....حين تنظر بعينها....تجد تلك المدينة التي من شدة عشقها للبحر....سكنت قلبه........انها مدينة الامام الصدر صور ....وتنظر بالعين الاخرى فتجد مجموعة من اخوتها القرى الذين قطعوا معها.....عهد البقاء مع الخط المقاوم الممانع.......واذا نظرت الى الاعلى تشعر لنيف من الوقت...... انك في معبد لشدة روحانية الموقع.......كلام يطول فقط في معجم الرؤية من تلك القرية...........فكيف اذا قررنا وصفها بشكل كامل......كانني استطيع ان اسخر جميع الصفات التي احتوتها ثقافتي....وابقى مقصر..........انها مجدل زون قرية الجبل والبحر والسهل...قرية الحب ..والجمال......ا
----------------------------------------------------
يستوقفني اسم ضيعتي..خاصة اول جزء منه..وكانه اشتق من المجد..لا بل هو اشتق منه..فلمجدلزون اكثر من حكايةمع المجد و العزة..منذ الامام الصدر اعاده الله و حتى يومنا هذا..تغيرت الرايات او تلونتّ!! لا يهم..لان الجوهر واحد..و الطريق واحد. بل يكفي القول انه ما دامت راية الحسين تجمع كل الرايات فمجدلزون بخير لا بل الجنوب كله بخير...لقد زفت مجدلزون اكثر من مرة..و في كل مرة يكون زفافا جماعيا.. زفافا حسينيا..لقد شهدت بعضا من هذه الاحتفالات...تالفت هذه البلدة في اثواب زفافها...بيضاء ناصعة..بيضاء شامخة..تحكي في كل مرة حكاية غز و مجد لتتكرس كما ارادها الامام الصدر قرية من قرى الصمود و المواجهة..و قلعة من قلاع الانتصار..
المنتدى الثقافي- مجدلزون ***CULTURAL FORUM OF MAJDELZOUN ***CFM
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى الثقافي- مجدلزون ***CULTURAL FORUM OF MAJDELZOUN ***CFM

منتدى ثقافي عام ومتنوع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
» لبيكَ نصر الله
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 4:14 pm من طرف المحامي منير العباس

» الشاعر الشّاب طارق منير العباس في عيد الجيش العربي السوري
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 3:57 pm من طرف المحامي منير العباس

» الشاعر الشَّاب طارق منير العباس يرثي صديقه الشهيد الشاب ذو الفقار العلي
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 3:56 pm من طرف المحامي منير العباس

» مابين تونس والشآم
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 3:54 pm من طرف المحامي منير العباس

» آذار يعرب
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 3:51 pm من طرف المحامي منير العباس

» عودوا إلى شام الحمى
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 3:50 pm من طرف المحامي منير العباس

» صقور الشعب
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 3:48 pm من طرف المحامي منير العباس

» ياذا الشهيدُ سلاماً
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالثلاثاء يونيو 17, 2014 3:41 pm من طرف المحامي منير العباس

» لو من احلامك انك تتعلم تصميم المواقع والجرافيك
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالأحد مايو 19, 2013 7:12 am من طرف محمدطارق

» الخيار قصيدة بقلم المحامي منير عباس
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالإثنين فبراير 25, 2013 5:06 am من طرف المحامي منير العباس

» ثالوثُ لُبْنانَ الإباءِ
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالإثنين فبراير 25, 2013 4:46 am من طرف المحامي منير العباس

» عضو جديد ... وشكر للمنتدى ولجميع العاملين فيه
اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالجمعة فبراير 03, 2012 1:05 pm من طرف ابو اليسر

منتدى

 

 اسباب الغرور عند بعض الناس

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
haj rodwan
المدير الاداري
المدير الاداري
haj rodwan


عدد المساهمات : 409
تاريخ التسجيل : 01/01/2011

اسباب الغرور عند بعض الناس Empty
مُساهمةموضوع: اسباب الغرور عند بعض الناس   اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالجمعة أبريل 29, 2011 9:58 am

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة

طبعا اكيد كلنا مر علينا و ان قابلنا ناس مغرورين
و متكبرين جداااااا و شايفين انهم احسن من كل الناس
فيا ترى اية هى الاسباب التي تخلى انسان معين يحس انه
افضل من ناس كثير و هو انسان متكامل
و طبعالا يوجد انسان متكامل...


ما هو اسباب الغرور و الكبرياء؟؟؟

هل هى ثقة زائدة عن الحدود ؟
أم
هى مشكلة نفسية عند البعض ؟

فما هو الغرور فى نظركم ؟

و ما هى اسبابه ؟

و ما هى طرق التغلب علية ؟
شاركو بأرائكم الجادة......................
تحياتي للجميع______________________
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Hussein A Aldorr
مشرف شؤون الغلوم والتكنولوجيا والكمبيونر
مشرف شؤون الغلوم والتكنولوجيا والكمبيونر
Hussein A Aldorr


عدد المساهمات : 78
تاريخ التسجيل : 31/12/2010
العمر : 38

اسباب الغرور عند بعض الناس Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسباب الغرور عند بعض الناس   اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالجمعة أبريل 29, 2011 10:40 am

الغرور

معنى الغرور ـ ذمه طوائف المغرورين! المغرورون من الكفار والعصاة والفساق من المؤمنين ـ المغترون من أهل العلم وفرقهم ـ المغترون من الوعاظ كثيرون ـ المغرورون من أهل العبادة فرق كثيرة ـ المغترون من المتصوفة اكثر ـ المغترون من الأغنياء اكثر من سائر الطوائف ـ ضد الغرور الفطانة والعلم والزهد.

وهو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان. فمن اعتقد انه على خير اما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة، فهو مغرور. ولما كان اكثر الناس ظانين بانفسهم خيرا، ومعتقدين بصحة ما هم عليه من الأعمال والافعال وخيريته، مع انهم مخطئون فيه، فهم مغرورون. مثلا من يأخذ المال الحرام وينفقها في مصارف الخير، كبناء المساجد والمدارس والقناطر والرباطات وغيرها، يظن ان هذا خير له وسعادة، مع انه محض الغرور، حيث خدعه الشيطان وأراه ما هو شر له خيرا، وكذا الواعظ الذي غرضه الجاه والقبول من موعظته، يظن انه في طاعة الله، مع انه في المعصية بغرور الشيطان وخدعته.

ثم لا ريب في ان سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل الطبع إليه عن شبهة ومخيلة، مركب من امرين: (أحدهما) اعتقاد النفس بأن هذا خير له مع كونه خلاف الواقع، (وثانيهما) حبها وطلبها باطنا لمقتضيات الشهوة أو الغضب. فان الواعظ إذا قصد بوعظه طلب الجاه والمنزلة معتقدا انه يجلب به الثواب، تكون له رغبة إلى الجاه واعتقاد بكونه خيرا له، إذ الغني إذا امسك ماله ولم ينفقه في مصارفه اللازمة، وواظب على العبادة معتقدا ان مواظبته على العبادة تكفي لنجاته وان كان بخيلا، يكون له حب للمال واعتقاد بأنه على الخير. ثم الاعتقاد المذكور راجع إلى نوع معين من الجهل المركب، وهو الجهل الذي يكون المجهول المعتقد فيه شيئا يوافق الهوى، فيكون من رذائل القوة العاقلة، والحب والطلب للجاه والمال من رذائل قوتي الغضب والشهوة. فالغرور يكون من رذائل القوى الثلاث، أو من رذائل العاقلة مع أحدهما.

(ذم الغرور)

الغرور والغفلة منبع كل هلكة وام كل شقاوة، ولذا ورد فيه الذم الشديد في الآيات والأخبار، قال الله ـ سبحانه ـ :

" فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ". وقال عز وجل " ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ".

وقال رسول الله (ص): " حبذا نوم الاكياس وفطرهم، كيف يغبنون سهر الحمقى واجتهادهم، ولمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين افضل من ملء الأرض من المغترين ". وقال الصادق (ع): " المغرور في الدنيا مسكين، وفي الآخرة مغبون، لانه باع الافضل بالادنى، ولا تعجب من نفسك، فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك ان لعلك تبقى. وربما اغتررت بطول عمرك واولادك واصحابك لعلك تنجو بهم. وربما اغتررت بجمالك ومنيتك واصابتك مأمولك وهواك، فظننت انك صادق ومصيب. وربما اغتررت بما ترى من الندم على تقصيرك في العبادة، ولعل الله يعلم من قلبك بخلاف ذلك. وربما اقمت نفسك على العبادة متكلفا والله يريد الاخلاص. وربما افتخرت بعلمك ونسبك، وانت غافل عن مضمرات ما في غيب الله تعالى. وربما توهمت انك تدعو الله وانت تدعو سواه. وربما حسبت انك ناصح لخلق وانت تريدهم لنفسك ان يميلوا إليك. وربما ذممت نفسك وانت تمدحها على الحقيقة ".



(طوائف المغرورين)

اعلم ان فرق المغترين كثيرة، وجهات غرورهم ودرجاته مختلفة، وما من طائفة في العالم مشتركين في وصف مجتمعين على امر، إلا ويوجد فيهم فرق من المغترين. إلا ان بعض الطوائف كلهم مغترون، كالكفار والعصاة والفساق، وبعضهم يوجد فيهم المغرور وغير المغرور، وان كان معظم كل طائفة ارباب الغرور. ونحن نشير إلى مجاري الغرور، وإلى غرور كل طائفة ليتمكن طالب السعادة من الاحتراز عنه، إذ من عرف مداخل الآفات والفساد ومجاريهما يمكنه ان يأخذ منها حذره، ويبنى على الجزم والبصيرة أمره. فنقول:

الطائفة الأولى

(الكفار)

وهم المغرورون بأسرهم، وهم ما بين من غرته الحياة الدنيا، وبين من غره الشيطان بالله. واما الذين غرتهم الحياة الدنيا، فباعث غرورهم قياسان نظمهما الشيطان في قلوبهم: (اولهما) ان الدنيا نقد والآخرة نسيئة، والنقد خير من النسيئة. (وثانيهما) ان لذات الدنيا يقينية ولذات الآخرة مشكوكة فيها، واليقيني خير من المشكوك، فلا يترك به. وهذه اقيسة فاسدة تشبه قياس إبليس، حيث قال:

" أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ".

وعلاج هذا الغرور ـ بعد تحصيل اليقين بوجود الواجب تعالى وبحقية النبي (ص)، وهو في غاية السهولة لوضوح الطرق والادلة ـ اما ان يتبع مقتضى ايمانه ويصدق الله تعالى في قوله:

" ما عندكم ينفد وما عند الله باق ". وفي قوله تعالى: " والآخرة خير وأبقى ". قوله: " وما عند الله خير وأبقى ". وقوله: " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ". وقوله تعالى: " ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ".

واما ان يعرف بالبرهان فساد القياسين، حتى يزول عن نفسه ما تأديا إليه من الغرور. وطريق معرفة الفساد في (القياس الأول): ان يتأمل في ان كون الدنيا نقد والآخرة نسيئة صحيح، إلا ان كون نقد خيرا من النسيئة غير صحيح، بل هو محل التلبيس، إذ المسلم خيرية النقد على النسيئة ان كان مثلها في المقدار والمنفعة والمقصود والبقاء، واما ان كان اقل منها في ذلك وادون، فالنسيئة خير، إلا ترى ان هذا المغرور إذا حذره الطبيب من لذائذ الاطعمة يتركها في الحال خوفا من الم المرض في الاستقبال ويبذل درهما في الحال ليأخذ درهمين نسيئة، ويتعب في الاسفار ويركب البحار في الحال لأجل الراحة والربح نسيئة. وقس عليه جميع أعمال الناس وصنائعهم في الدنيا: من الزراعة والتجارة والمعاملات، فانهم يبذلون فيها المال نقدا ليصلوا إلى اكثر منه نسيئة، فان كان عشرة في ثاني الحال خيرا من واحد في الحال، فأنسب لذة الدنيا من حيث الشدة والمدة والعدة إلى لذة الآخرة من هذه الحيثيات، فان من عرف حقيقة الدنيا والآخرة، يعلم انه ليس للدنيا قدر محسوس بالنسبة إلى الآخرة، على ان لذة الدنيا مكدرة مشوبة بأنواع المنغصات، ولذات الآخرة صافية غير ممتزجة بشيء من المكدرات.

واما طريق معرفة فساد (القياس الثاني) بأصليه: هو ان يعرف ان كون لذات الآخرة مشكوكا فيها خطأ، وان كل يقيني خير من المشكوك غلط: (اما الأول) فلأن الآخرة يقينية قطعية عند أهل البصيرة. وليقينهم مدركان:

ـ أحدهما ـ ما يدركه عموم الخلق، وهو اتفاق عظماء الناس من الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء، فان ذلك يورث اليقين والطمأنينة بعد التأمل، كما ان المريض الذي لا يعرف دواء علته إذا اتفق جميع ارباب الصناعة على ان دواءه كذا، فانه تطمئن نفسه إلى تصديقهم ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين، بل يثق بقولهم ويعمل به، وان كذبهم صبي أو معتوه أو سوادي، ولا ريب في ان المنكرين للآخرة المغترين بالحياة الدنيا من الكفار والبطالين بالنظر إلى المخبرين عن أحوال الآخرة والمشاهدين لها من الأنبياء والأولياء ادون حالا واقل رتبة من صبي أو معتوه أو سوادي بالنظر إلى اطباء بلد أو مملكة.

ـ وثانيهما ـ مالا يدركه إلا الأنبياء والأولياء، وهو الوحي والالهام، فالوحي للأنبياء والالهام والكشف للاولياء فانه قد كشفت لهم حقائق الأشياء كما هي عليها، وشاهدوها بالبصيرة الباطنة كما تشاهد انت المحسوسات بالبصر الظاهر، فيخيرون عن مشاهدة لا عن سماع وتقليد، ولا تظنن ان معرفة النبي (ص) لأمر الآخرة ولامور الدين مجرد تقليد لجبرئيل بالسماع منه، كما ان معرفتك لها تقليد للنبي، هيهات! فان الأنبياء يشاهدون حقائق الملك والملكوت، وينظرون إليها بعين البصيرة واليقين، وان اكد ذلك بالقاء الملك والسماع منه.

واما المغرورون بالله، وهم الذين يقدرون في انفسهم ويقولون بألسنتهم، ان كان لله معاد فنحن فيه اوفر حظا واسعد حالا من غيرنا، كما اخبر الله ـ سبحانه ـ عن قول الرجلين المتحاورين، إذ قال:

" وما أظن الساعة قائمةً ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً ".

وباعث ذلك: ما ألقى الشيطان في روعهم من نظرهم مرة إلى نعم الله عليهم في الدنيا فيقيسون عليها نعمة الآخرة، وينظرون إلى تأخير الله العذاب عنهم فيقيسون عليه عذاب الآخرة، كما قال الله ـ تعالى ـ:

" ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ".

ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء محتاجون، فيقولون؛ لو احبهم الله لاحسن إليهم في الدنيا ولو لم يحبنا لما احسن الينا فيها، فلما لم يحسن إليهم في الدنيا واحسن الينا فيها فيكون محبا لنا ولا يكون محبا لهم، فيكون الأمر في الآخرة كذلك، كما قال الشاعر:

كما احسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي

ولا ريب في أن كل ذلك خيالات فاسدة وقياسات باطلة، فان من ظن ان النعم الدنيوية دليل الحب والاكرام فقد اغتر بالله، إذ ظن أنه كريم عند الله، بدليل لا يدل على الكرامة بل يدل عند اولى البصائر على الهوان والخذلان، لأن نعيم الدنيا ولذاتها مهلكات ومبعدات من الله، وان الله يحمي أحباءه في الدنيا كما يحمي الوالد الشفيق ولده المريض لذائذ الاطعمة. ومثل معاملة الله ـ سبحانه ـ مع المؤمن الخالص والكافر والفاسق، حيث يزوي الدنيا عن الأول ويصب نعمها ولذاتها على الثاني، مثل من كان له عبدان صغيران يحب أحدهما ويبغض الاخر، فيمنع الأول من اللعب ويلزمه المكتب ويحبسه فيه، ليعلمه الادب ويمنعه من لذائذ الاطعمة والفواكه التي تضره ويسقيه الادوية البشعة التي تنفعه، ويهمل الثاني ليعيش كيف يريد ويلعب وياكل كل ما يشتهي، فلو ظن هذا العبد المهمل انه محبوب كريم عند سيده لتمكنه من شهواته ولذاته، وان الآخر مبغوض عنده لمنعه عن مشتهياته، كان مغرورا احمق، وقد كان الخائفون من ذوي البصائر إذا اقبلت عليهم الدنيا حزنوا وقالوا: ذنب عجلت عقوبته، وإذا اقبل عليهم الفقر قالوا: مرحبا بشعار الصحالين! واما المغرورون فعلى خلاف ذلك، لظنهم ان اقبال الدنيا عليهم كرامة من الله وان ادبارها عنهم هوان لهم، كما اخبر الله ـ تعالى ـ عنه بقوله:

" فأما الإنسان إذا ما ابتلاه رب فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ".

وعلاج هذا الغرور: ان يعرف ان اقبال الدنيا دليل الهوان والخذلان دون الكرامة والإحسان، والتجرد منها سبب الكرامة والقرب إلى الله ـ سبحانه ـ والطريق إلى هذه المعرفة، اما ملاحظة أحوال الأنبياء والأولياء وغيرهما من طوائف العرفاء وفرق الاتقياء، أو التدبر في الآيات والأخبار. قال الله ـ سبحانه ـ

" أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنينٍ، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ". وقال سبحانه: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ". وقال ـ تعالى ـ: " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما اتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ". وقال ـ تعالى ـ: " انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ".

إلى غير ذلك من الآيات والأخبار.

ومنشأ هذا الغرور: الجهل بالله وبصفاته، فان من عرفه لا يأمن مكره ولا يغتر به بأمثال هذه الخيالات الفاسدة، وينظر إلى قارون وفرعون وغيرهما من الملوك والجبابرة، كيف احسن الله إليهم ابتداء ثم دمرهم تدميرا، وقد حذر الله عباده عن مكره واستدراجه فقال:

" فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ". وقال: " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ".

الطائفة الثانية

(العصاة والفساق من المؤمنين)

وسبب غرورهم وغفلتهم اما بعض بواعث غرور الكافرين ـ كما تقدم ـ أو ظنهم ان الله ـ تعالى ـ كريم ورحمته واسعة ونعمته شاملة، واين معاصي العباد في جنب بحار رحمته، ويقولون: انا موحدون ومؤمنون، فكيف يعذبنا مع التوحيد والإيمان ويقررون ظنهم بما ورد في فضيلة الرجاء ـ كما تقدم ـ. وربما اغتر بعضهم بصلاح آبائهم وعلو رتبتهم، كاغترار بعض العلويين بنسبهم مع مخالفتهم سيرة آبائهم الطاهرين في الخوف والورع. وعلاج هذا الغرور. أن يعرف الفرق بين الرجاء الممدوح والتمني المذموم، ويعلم أن غروره ليس رجاء ممدوحا، بل هو تمن مذموم، كما قال رسول الله (ص): " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والاحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله ". فان الرجاء لا ينفك عن العمل، إذ من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه، وكما ان الذي يرجو في الدنيا ولدا وهو لم ينكح، أو نكح ولم يجامع، أو جامع ولم ينزل، فهو مغرور احمق، كذلك من رجا رحمة الله وهو لم يؤمن، أو آمن ولم يترك المعاصي، أو تركها ولم يعمل صالحا، فهو مغرور جاهل، كيف وقد قال الله ـ سبحانه ـ:

" إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله ".

يعني ان الرجاء يليق بهم دون غيرهم، وذلك لأن ثواب الآخرة اجر وجزاء على الأعمال، كما قال ـ تعالى ـ:
" جزاءً بما كنوا يعملون ".وقال: " وانما توفون اجوركم يوم القيامة ". وقال: " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ". وقال: " كل نفسٍ بما كسبت رهينة ".

أفترى أن من استؤجر على اصلاح اوان وشرط له أجرة عليها، وكان الشارط كريماً يفي بوعده وشرطه، بل كان بحيث يزيد على ما وعده وشرطه، فجاء الاجير وكسر الأواني وافسدها جميعا، ثم جلس ينتظر الاجر زعما منه أن المستأجر كريم، أفيراه العقلاء في انتظاره راجيا أو مغروراً متمنيا؟ وبالجملة: سبب هذا الغرور الجهل بين الرجاء والعزة، فليعالجه بما ذكر هنا وفيما سبق.

ثم ان المغرور بعلو ربته آبائه، ظانا ان الله تعالى يحب آباءه، ومن أحب إنسانا أحب أولاده، أشد حمقا من المغرور بالله، لأن الله ـ سبحانه ـ يحب المطيع ويبغض العاصين من غير ملاحظة لإبائهما، فكما أنه لا يبغض الأب المطيع ببغضه للولد العاصي فكذلك لا يحب الولد العاصي بحبه للأب المطيع، وليس يمكن أن يسري من الأب إلى الابن شيء من الحب والبغض والمعصية والتقوى، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، فمن زعم انه ينجو بتقوى ابيه كان كمن زعم انه يشبع بأكل ابيه، أو يصير عالما بتعلم ابيه، أو يصل إلى الكعبة بمشي ابيه، فهيهات هيهات! ان التقوى فرض عين على كل أحد، فلا يجزي والد عن ولده شيئاً، وعند الجزاء يسفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، ولا ينفع أحد أحدا إلا على سبيل الشفاعة، بعد تحقق شرائطها.

ثم العصاة المغرورون، اما ليست لهم طاعات، فتمنيهم المغفرة غاية الجهل ـ كما مر ـ، أو لهم طاعات ولكن معاصيهم اكثر، وهم عالمون بأكثرية المعاصي، ومع ذلك يتوقعون المغفرة وترجح حسناتهم على سيئاتهم وهو أيضاً غاية الجهل، إذ مثله مثل من وضع عشرة دراهم في كفة ميزان وفي الكفة الأخرى ألفا أو ألفين، وتوقع أن تميل الكفة الثقيلة بالخفيفة، ومن الذين معاصيهم أكثر من يظن ان طاعاته اكثر من معاصيه، لأنه لا يحاسب نفسه ولا يتفقد معاصيه، وإذا عمل طاعة حفظها وأعتد بها، كالذي يحج طول عمره حجه ويبني مسجدا، ثم لا يكون شيء من عباداته على النحو المطلوب، ولا يجتنب من أخذ أموال المسلمين، فينسى ذلك كله ويكون حجه وما بناه من المسجد في ذكره، ويقول: كيف يعذبني الله وقد حججت وبنيت مسجدا؟ وكالذي يسبح الله كل يوم مائة مرة ثم يغتاب المسلمين ويمزق اعراضهم ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره من غير حصر وعدد، ويكون نظره إلى عدد سبحته مع غفلته عن هذيانه طول نهاره الذين لو كتبه لكان مثل تسبيحه مائة مرة، وقد كتبه الكرام الكاتبون، فهو يتأمل دائما في فضيلة التسبيحات، ولا يلتفت إلى ما ورد في عقوبة الكذابين والمغتابين والنمامين والفحاشين، ولو كان كتبة أعماله يطلبون منه اجرة الزايد من هذيانه على تسبيحاته، لكان عند ذلك يسعى في كف لسانه عن آفاته وموازنتها بتسبيحاته، حتى لا يكون لها زيادة عليها ليؤخذ منه اجرة نسخ الزائد. فيا عجبا لمن يحاسب نفسه ويحتاط خوفا ان يفوته مقدار قيراط ولا يحتاط خوفا من فوت العليين ومجاورة رب العالمين!

الطائفة الثالثة

أهل العلم

والمغترون منهم فرق:

(فمنهم) من اقتصر من العلم على علم الكلام والمجادلة ومعرفة آداب المناظرة، ليتفاخر في اندية الرجال ويتفوق على الاقران والامثال، من غير ان يكون له في العقائد قدم راسخ أو مذهب واحد، بل يختار تارة ذلك وتارة هذا، وتكون عقيدته كخيط مرسل في الهواء تفيئه الريح مرة هكذا وتارة هكذا، ومع ذلك يظن بغروره أنه اعرف الناس واعلمهم بالله وبصفاته.

و(ومنهم) من أقتصر من العلم على علم النحو واللغة، أو الشعر أو المنطق، واغتر به واغنى عمره فيها، وزعم ان علم الشريعة والحكمة موقوف عليها، ولم يعلم أن ما ليس مطلوباً لذاته ويكون وسيلة إلى ما هو مقصود لذاته يجب ان يقتصر عليه بقدر الضرورة، والتعمق فيه إلى درجات لا تتناهى فضول مستغنى عنها. وموجب للحرمان عما هو مقصود لذاته.

و(منهم) من اقتصر على فن المعاملات من الفقه، المتضمن لكيفية الحكم والقضاء بين الناس، واشتغل باجراء الاحكام، وأعرض عن علم العقائد والأخلاق، بل عن فن العبادات من الفقه، واهمل تفقد قلبه ليتخلى عن رذائل الأخلاق ويتحلى بفضائل الملكات وتفقد جوارحه وحفظها عن المعاصي والزامها الطاعات.

و(منهم) من حصل فن العبادات أيضا، بل احكم العلوم الشرعية بأسرها وتعمق فيها واشتغل، ولكن ترك العلم الالهي وعلم الأخلاق ولم يحفظ الباطن والظاهر عن المعاصي ولم يعمرها بالطاعات.

و(منهم) من أحكم جميع العلوم من العقلية والشرعية وتعمق فيها واشتغل بها إلا أنه أهمل العمل رأساً، أو واظب على الطاعات الظاهرة وأهمل صفات القلب، وربما تفقد صفات القلب وأخلاق النفس أيضاً وجاهد نفسه في التبري عنها، وقلع من قلبه منابتها الجلية القوية، ولكن بقيت في زوايا قلبه خفايا من مكائد الشيطان وخبايا وتلبيسات النفس ما دق وغمض مدركه فلا يتفطن بها.

وجميع هؤلاء غافلون مغرورون، إذا كان اعتقادهم انهم على خير وسعادة، وإن كان بينهم تفاوت من حيث الضعف والشدة، إذ سعادة النفس وخلاصها عن العذاب لا تحصل إلا بمعرفة الله ـ تعالى ـ ومعرفة صفاته وافعاله واحوال النشأة الآخرة، والعلم برذائل الأخلاق وشرائفها، ثم تهذيب الباطن بفضائل الأخلاق وعمارة الظاهر بصوالح الطاعات والأعمال، فكل من يعلم بعض العلوم وترك ما هو المهم من العلم، أعني معرفة سلوك الطريق وقطع عقبات النفس التي هي الصفات المذمومة المانعة عن الوصول إلى الله ـ وظن انه على خير كان مغروراً، وإذا مات ملوثاً بتلك الصفات كان محجوبا على الله، فمن ترك العلم المهم واشتغل بغيره، فهو كمن له مرض خاص مهلك فاحتاج إلى تعلم الدواء واستعماله، فاشتغل بتعلم مرض آخر يضاد مرضه في المعالجة، كما ان من احكم العلوم بأسرها وترك العمل، مثل المريض الذي تعلم دواء مرضه وكتبه، وهو يقرأه ويعلمه المرضى ولا يستعمله قط لنفسه، فانه لا ريب في ان مجرد تعلم الدواء لا يشفيه، بل لو كتبت منه ألف نسخة وعلمه ألف مريض حتى شفى جميعهم وكرره كل ليلة ألف مرة لم ينفعه ذلك من مرضه شيئاً، حتى يشترى هذا الدواء ويشربه كما تعلم في وقته، ومع شربه واستعماله يكون على خطر من شفائه، فكيف إذا لم يشربه اصلا، فلو ظن أن مجرد تعلم الدواء يكفيه ويشفيه فهو مغرور، فكذلك من احكم علم الطاعات ولم يعملها، واحكم علم المعاصي ولم يجتنبها، واحكم علم الأخلاق ولم يزك نفسه عن رذائلها ولم يتصف بفضائلها، فهو في غاية الغرور. إذ قال الله تعالى:

" قد أفلح من زكاها ".

ولم يقل: قد أفلح من علم طريق تزكيتها.

ثم من هذه الطائفة فرقة متصفة برذائل الأخلاق والغرور، أدى بهم إلى حيث ظنوا أنهم منفكون عنها، وأنهم ارفع عند الله من أن يبتليهم بها، وإنما يبتلي بها العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم. ثم إذا ظهرت عليه مخايل الكبر والرئاسة وطلب العلو والشرف قال: ما هذا تكبراً، وإنما هو طلب اعزاز الدين وإظهار شرف العلم، وارغام انف المخالفين. ومهما ظهرت منه آثار الحسد، وأطلق لسانه بالغيبة في أقرانه ومن رد عليه شيئاً من كلامه، لم يظن بنفسه أن ذلك حسد، بل يقول: إن هذا غضب للحق ورد على المبطل في عداوته وظلمه، مع أنه لو طعن في غيره من أهل العلم، ورد عليه قوله، ومنع من منصبه، لم يكن غضبه مثل غضبه الآن، بل ربما يفرح به، لو كان غضبه للحق لا لحسد على اقرانه وخبث باطنه، لاستوى غضبه في الحالين. وإذا خطر له خاطر الرياء قال: غرضي من اظهار العلم والعمل اقتداء الخلق بي، ليهتدوا إلى دين الله ويتخلصوا من عقاب الله. ولا يتأمل المغرور انه ليس يفرح باقتداء الناس بغيره كما يفرح باقتدائهم به، ولو كان غرضه صلاح الخلق لفرح بصلاحهم على يد من كان، وربما يتذكر هذا ومع ذلك لا يخليه الشيطان، بل يقول: إنما ذلك لأنهم إذا اهتدوا بي كان الاجر والثواب لي، ففرحي إنما هو بثواب الله لا بقبول الخلق، هذا ما يظن بنفسه، والله مطلع على سريرته، إذ ربما كان باطنه في الخباثة بحيث لو علم قطعاً بأن ثوابه في الخمول واخفاء العلم والعمل أكثر من ثوابه في الاظهار، لاحتال مع ذلك في اظهار رئاسة، من تدريس أو وعظ أو امامة و غير ذلك. وإذا كان بحيث يدخل على السلاطين والامراء الظلمة ويثني عليهم ويتواضع لهم، وخطر له أن مدحهم والتواضع لهم حرام، قال له الشيطان: ان ذلك عند الطمع في مالهم، وغرضك من الدخول عليهم دفع الضرر عن المسلمين دون الطمع، والله يعلم من باطنه أنه لو ظهر لبعض اقرانه قبول عند ذلك السلطان، وكان بحيث يقبل شفاعته في كل أحد، وهو لا يزال يستشفع ويدفع الضرر عن المسلمين، يثقل ذلك عليه، بحيث لو قدر أن يقبح حاله عند السلطان لفعل. وربما انتهى الغرور في بعضهم إلى أن يأخذ من أموالهم المحرمة، وإذا خطر له أنها حرام، قال له الشيطان: هذا مال مجهول المالك يجب أن يتصدق به إمام المسلمين، وأنت إمامهم وعالمهم، وبك قوام دين الله، فيحل لك أن تأخذ منها قدر حاجتك وتصرف الباقي على مصالح المسلمين، فيغتر بهذا التلبيس ولا يزال يأخذها من غير أن يبذل شيئاً منها في مصرف غيره. وربما انتهى الغرور في بعضهم إلى حيث انه إذا حضرت مائدتهم واكل طعامهم وقيل له: ان هذا لا يليق بمثلك، قال: الأكل جائز بل واجب، إذ هذا مال لا يعلم مالكه، فيجب التصدق به على الفقراء، ويجب على مثلي بقدر القوة والاستطاعة أن يجتهد في استخلاصه من يد الظالم وايصاله إلى اهله ـ أعني الفقراء ـ واكل منها نوع قدرة على استخلاصه، فآكل منه واتصدق بقيمته على الفقراء، والله يعلم من باطنه أنه لا يتصدق بقيمته ولا يعتقد بحقيقة ما يقوله، وانما هو تلبيس ألقاه الشيطان في روعه، لئلا يضعف اعتقاد العامة في حقه، وربما كان بحيث لا يبالي من اخذ مالهم واكل طعامهم خفية، ولو علم انه يطلع عليه واحد من صويلح العامة المعتقدين به، امتنع منه غاية الامتناع. وربما كان بعضهم في الباطن مائلا إلى الدخول على السلاطين والامراء وتاركا له في الظاهر، وكان الباعث في ذلك طلب المنزلة في قلوب العامة. ومع ذلك يظن أن الاجتناب عنهم عين ورعه وتقواه. وربما كان بعضهم إمام قوم يظن أنه على خير وباعث لترويج الدين واعلاء الكلمة ومقيم بشعار الإسلام، ومع ذلك لو أم غيره ممن هو اعلم واورع منه في مسجده، أو يتخلف بعض من يقتدى به عن الاقتداء به، قامت عليه القيامة، وربما لم يكن باعثه على الحركة إلى المسجد للامامة مجرد التقرب والامتثال لأمر الله، بل كان الباعث محض حب الجاه والرياسة واعتقاد العامة، أو مركباً منه ومن نية الثواب وربما اتخذ بعضهم الامامة شغلا ووسيلة لأمر المعاش، ومع ذلك يظن انه مشتغل بأمر الخير، والظاهر في امثال زماننا ندور الإمام الذين كان قصده من الامامة مجرد التقرب إلى الله. من دون وجود شيء من حب طلب المنزلة في القلوب، أو تحصيل المال، أو دفع بعض الشرور عن نفسه في زوايا قلبه، ولو وجد مثله فهو القدوة الذي يجب ان تشد الرحال من المواضع البعيدة إليه ليقتدى به، ومثله كلما وجد في نفسه قصد التقرب والثواب في الذهاب إلى المسجد للامامة ذهب، ولو لم يجد ذلك من نفسه تخلف، وصلى منفرداً. وهو الذي يستوي عنده اقتداء الناس به وعدمه، ويستوي عنده كثرة المقتدين وقلتهم، بل يكون حاله عند صلاته وهو إمام لجم غفير كحاله عند صلاته منفرداً، من دون أن يجد في نفسه تفاوتاً في الحالين.

وبالجملة: أصناف غرور أهل العلم ـ (لا) سيما في هذه الاعصار ـ كثيرة، والمتأمل يعلم أن الغرور أو التلبيس أو غيرهما من ذمائم الافعال انتهى في بعضهم إلى أن وجودهم مضر بالاسلام والمسلمين وموتهم انفع للايمان والمؤمنين، لأنهم دجالوا الدين وقواموا مذهب الشياطين، ومثلهم كما قال ابن مريم (ع): " العالم السوء كصخرة وقعت في فم الوادي، فلا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يتخلص إلى الزرع ".

الطائفة الرابعة

(الوعاظ)

والمغترون منهم كثيرون:

(فمنهم) من يتكلم في وعظه في أخلاق النفس وصفات القلب، من الخوف، والرجاء، والتوكل، والرضا، والصبر، والشكر، ونظائرها، ويظن أنه إذا تكلم بهذه الصفات ودعا الخلق إليها صار موصوفاً بها، وهو منفك عنها في الواقع، إلا عن قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين، ويزعم ان غرضه اصلاح الخلق دون أمر آخر، ومع ذلك لو أقبل الخلق على أحد من اقرانه وصلحوا على يديه، وكان اقوى منه في الارشاد والاصلاح، لمات غماً وحسداً، ولو اثنى أحد المترددين عليه على بعض اقرانه، لصار أبغض خلق الله إليه.

و (منهم) من اشتغل بالشطح والطامات، وتلفيق كلمات خارجة عن قانون الشرع والعقل، وربما كلف نفسه بالفصاحة والبلاغة، وتصنع التشبيهات والمقدمات، وشغف بطيارات النكت وتسجيع الالفاظ وتلفيقها، طلباً للاعوان والانصار، وشوقاً إلى تكثر البكاء والرقة والتواجد والرغبات في مجلسه، والتذاذاً بتحريك الرؤوس على كلامه والبكاء عليه، وفرحاً بكثرة الأصحاب والمستفيدين والمعتقدين به، وسروراً بالتخصيص بهذه الخاصة من بين سائر الاقران، وربما لم يبال بالكذب في نقل الأخبار والآثار، ظناً منه أنه أوقع في النفوس وأشد تأثيراُ في رقة العوام وتواجدهم. ولا ريب في أن هؤلاء شر الناس، بل شياطين الأنس، ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، إذ الاولون إن لم يصلحوا أنفسهم، فقد أصلحوا غيرهم وصححوا كلامهم ووعظهم، وأما هؤلاء فانهم يصدون عن سبيل الله، ويجرون الخلق إلى الغرور بالله، لان سعيهم في ذكر ما يسر به العامة، ليصلوا به منهم إلى اغراضهم الفاسدة، فلا يزالون يذكرون ما يقوي الرجاء، ويزيدهم جرأة على المعاصي ورغبة في الدنيا، (لا) سيما إذا كان هذا الواعظ أيضاً ممن يرغب إلى الدنيا، ويسر بوصول المال إليه، ويتزين بالثياب الفاخرة والمراكب الفارهة، وغيرهما من زينة الدنيا. فمثله ممن يضل ويكون افساده اكثر من اصلاحه، ومع ذلك يظن انه مروج الشرع والدين ومرشد الضالين، فهو اشد المغرورين والغافلين.

و(منهم) من هذب اخلاقه، وراقب قلبه، وصفاه عن جميع الكدورات، وصغرت الدنيا في عينه، وانقطع طمعه عن الخلق فلم يلتفت إليهم، ودعته الرحمة والشفقة على عباد الله إلى نصحهم واستخلاصهم عن أمراض المعاصي بالوعظ، فلما استقل به وجد الشيطان مجال الفتنة فدعاه إلى الرئاسة دعاء خفياً ـ اخفى من دبيب النملة ـ لا يشعر به، ولم يزل ذلك في قلبه يربو وينمو حتى دعاه إلى التصنع والتزين للخلق: بتحسين الالفاظ والنغمات والحركات والتصنع في الزي والهيئة والشمائل، واقبل الناس إليه يعظمونه ويوقرونه توقيراً يزيد على توقير الملوك، إذ رأوه شافياً لامراضهم بمحض الرحمة والشفقة من غير طمع، فآثروه بأبدانهم وأموالهم، وصاروا له كالخدم والعبيد، فعند ذلك انتشر طبعه وارتاحت نفسه، وذاق لذة يالها من لذة وأصاب من الدنيا شهوة يستحقر معها كل شهوة، فوقع في أعظم لذات الدنيا بعد قطعه بأنه تارك للدنيا، فقد غره الشيطان على ما لا يشعر به. وعلامة ثوران حب الرئاسة في باطنه: أنه لو ظهر من اقرانه من مالت القلوب إلى قبوله، وزاد أثر كلامه في القبول على كلامه، شق ذلك عليه، إذ لولا أن النفس قد استبشرت واستلذت بالرئاسة لكان يغتنم ذلك.

وعلى هذا فينبغي ألا يشتغل أحد بالنصح والوعظ إلا إذا وجد من نفسه أنه ليس له قصد سوى هدايتهم إلى الله ـ تعالى ـ، وكان يسره غاية السرور ظهور من يعينه على ارشادهم أو اهتدائهم من عند أنفسهم، وانقطع طمعه بالكلية عن ثنائهم وأموالهم، واستوى عنده حمدهم وذمهم، ولم يبال بذمهم إذا كان الله يمدحه، ولم يفرح بمدحهم إذا لم يقترن به مدح الله، ونظر إليهم كما ينظر إلى من هو أعلم منه وأورع، حيث لا ينكر عليه ويراه خيراً من نفسه، لدلالة الظاهر على ذلك وجهله بالخاتمة، وإلى البهائم من حيث انقطاع طمعه عن طلب المنزلة في قلوبهم، فانه لا يبالي كيف يراه البهائم، فلا يتزين لها، إذ راعى الماشية إنما غرضه رعايتها ودفع الذب عنها، دون نظر الماشية إليه بعين المدح والثناء.

ثم لو ترقى الواعظ، وعلم بهذه المكيدة من الشيطان، واشتغل بنفسه وترك النصح، أو نصح مع رعاية شرط الصدق والاخلاص، لخيف عليه الاعجاب بنفسه في فراره عن الغرور، فيكون اعجابه بنفسه في الفرار عن الغرور غاية الغرور، وهو المهلك الأعظم من كل ذنب، ولذلك قال الشيطان: " يا ابن آدم! إذا ظننت أنك بعملك تخلص مني فبجهلك قد وقعت في حبائلي ". ثم لو دفع عن نفسه العجب، وعلم أن ذلك من الله ـ تعالى ـ لا منه، وأن مثله لا يقوى على دفع الشيطان عنه إلا بتوفيق الله، وانه ضعيف عاجز لا يقدر على شيء أصلا، فضلا عن دفع الشيطان، لخيف عليه الغرور بفضل الله والثقة بكرمه والامن من مكره، حتى يظن أنه يبقى على هذه الوتيرة في المستقبل. ولا ريب أن الآمن من مكر الله خاسر مغرور، فسبيل النجاة بعد تهذيب النفس وخلوص القصد والانقطاع عن الدنيا ولذاتها، ان يرى ذلك كله من فضل الله، وكان خائفاً على نفسه من سلب حاله في كل لحظة، وغير آمن من مكر الله، وغير غافل عن خطر الخاتمة. وهذا خطر لا محيص عنه وخوف لا نجاة منه، إلا بمجاوزة الصراط والدخول في الجنة، ولذلك لما ظهر الشيطان لبعض الأولياء في وقت النزع ـ وكان قد بقى له نفس ـ قال: (أفلت مني يا فلان!؟)، فقال: (لا! بعد).

(أهل العبادة والعمل)

والمغرورون منهم فرق كثيرة:

(فمنهم) من غلبت عليه الوسوسة في إزالة النجاسة وفي الوضوء، فيبالغ فيه ولا يرتضي الماء المحكوم بالطهارة في فتوى الشرع، ويقدر الاحتمالات البعيدة الموجبة للنجاسة، وإذا آل الأمر إلى الاكل وأخذ المال قدر الاحتمالات الموجبة للحل، بل ربما أكل الحرام المحض وقدر له محملا بعيدا لحله، ولو انقلب هذا الاحتمال من الماء إلى الطعام لكان أشبه بسيرة أكابر الأولياء. ثم من هؤلاء من يخرج إلى الاسراف في صبه الماء وربما بالغ عند الوضوء في التخليل وضرب احدى يديه على وجهه أو يده الأخرى، ولا يدري هذا المغرور أن هذا العمل ان كان مع اليقين بحصول ما يلزم شرعاً فهو تضييع للعمر الذي هو اعز الأشياء فيما له مندوحة عنه، وان كان بدونه بل يحتاط في التخليل ليحصل الجزم بوصول الماء إلى البشرة، فما باله يتيقن بوصول الماء إلى البشرة في الغسل بدون هذه المبالغة والاحتياط مع أن حصول القطع بايصال الماء إلى البشرة في الغسل ألزم وأوجب. ثم ربما لم يكن له مبالغة واحتياط في الصلاة وسائر العبادات، وانحصر احتياطه ومبالغته بالوضوء، زاعماً أن هذا يكفي لنجاته، فهو مغرور في غاية الغرور.

و (منهم) من اغتر بالصلاة فغلبت عليه الوسوسة في نيتها، فلا يدعه الشيطان حتى يعقد نية صحيحة، بل يشوش عليه حتى تفوته الجماعة أو فضيلة الوقت، وقد يوسوس في التكبير حتى يغير صيغتها لشدة الاحتياط فيه، يفعل ذلك في أول صلاته ثم يغفل في جميع صلاته، ولا يحضر قلبه، ويغتر بذلك، ويظن أنه إذا أتعب نفسه في تصحيح النية فهو على خير. وربما غلبت على بعضهم الوسوسة في دقائق القراءة، واخرج حروف الفاتحة وسائر الأذكار عن مخارجها، فلا يزال يحتاط في التشديدات وتصحيح المخارج والتمييز بين مخارج الحروف المتقاربة، من غير اهتمام فيما عدا ذلك، من حضور القلب والتفكير في معاني الاذكار، ظناً منه أنه إذا صحت القراءة فالصلاة مقبولة، وهذا اقبح أنواع الغرور.

و (منهم) من اغتر بالصوم، وربما صام الأيام الشريفة، بل صام الدهر، ولم يحفظ لسانه عن الغيبة، ولا بطنه عن الحرام عند الافطار، ثم يظن بنفسه الخير، وذلك في غاية الغرور.

و (منهم) من اغتر بالحج، فيخرج إلى الحج من غير خروج عن المظالم وقضاء الديون وطلب الزاد الحلال، ويضيع في الطريق الصلاة، ويعجز عن طهارة الثوب والبدن، ثم يحضر البيت بقلب ملوث برذائل الأخلاق وذمائم الصفات، ومع ذلك يظن انه على خير، فهو في غاية الغرور.

و (منهم) من اغتر بقراءة القرآن، فيهذ هذاً، وربما يختم في اليوم والليلة مرة، فيجري به لسانه، وقلبه مردد في اودية الأماني، وربما اسرع في القراءة غاية السرعة، ويظن ان سرعة اللسان من الكمالات، ويتفاخر على الأمثال والأقران.

و (منهم) من اغتر ببعض النوافل، كصلاة الليل، أو مجرد غسل الجمعة، أو أمثال ذلك، من غير اعتداد بالفرائض، زاعماً أن المواظبة على مجرد هذه النافلة ينجيه في الآخرة، فهو أيضاً من المغرورين.

و (منهم) من تزهد وقنع بالدون من المطعم والملبس والمسكن، ظانا أنه ادرك رتبة الزهاد، ومع ذلك راغب في الرئاسة باشتهاره بالزهد، فهو ترك أهون المهلكين باعظمها، إذ حب الجاه اشد فسادا من حب المال، ولو ترك الجاه وأخذ المال لكان اقرب إلى السلامة، فهو مغرور، إذ ظن أنه من الزهاد، ولم يعرف أن منتهى لذات الدنيا الرئاسة، وهو يحبها، فكيف يكون زاهداً؟

الطائفة السادسة

(المتصوفة)

والمغترون فيهم اكثر من ان يحصى:

(فمنهم) ارباب البوقات، وهم القلندرية الذين لا يعرفون معنى التصوف ولا شيئاً من مراسيم الدين، وصرفوا اوقاتهم في التكدي والسؤال من الناس، ويظنون أنهم تاركون للدنيا مقبلون على الآخرة، مع انهم لو ظفروا بشيء من أمور الدنيا لأخذوه بجميع جوارحهم، فهؤلاء ارذل الناس بوجوه كثيرة لا تخفى.

و (منهم) من اغتر بالزي، والمنطق، ولبس الصوف، واطراق الرأس وادخاله في الجيب، وخفض الصوت، وتنفس الصعداء، وتحريك البدن في الطول والعرض، والسقوط إلى الأرض، (لا) سيما إذا سمعوا كلاماً في الوحدة والعشق، مع عدم اطلاعهم على حقيقة شيء منهما. وربما تجاوز بعضهم من ذلك إلى الرقص والتصفيق، وابداء الشهيق والنهيق، واختراع الاذكار، والتغني بالاشعار... وغير ذلك من الحركات القبيحة والهيئات الشنيعة، ويظن أن العبد بهذه الحركات والأفعال يصل إلى الدرجات العالية، ولم يعلم المغرور أنها تقرب العبد إلى سخط الله وعذابه.

و (منهم) من وقع في الاباحة، وطوى بساط الشرع والاحكام، وترك الفصل بين الحلال والحرام، يتكالب على الحرام والشبهات، ولا يحترز عن أموال الظلمة والسلاطين. وربما قال: المال مال الله والخلق عيال الله، وفهم فيه سواء. وربما قال: ان الله مستغن عن عملي، فأي حاجة إلى أن أتعب نفسي فيه؟ وربما قال: لا وزن لأعمال الجوارح، وإنما النظر إلى القلوب، وقلوبنا والهة إلى حب الله واصلة إلى معرفة الله. وربما خاضوا في الشهوات الدنيوية، وقالوا إنها لا تصدنا عن طريق الله، لقوة نفوسنا وقوة اقدامنا فيها، وانما يحتاج العوام إلى تهذيب النفس بالأعمال البدنية، ونحن مستغنون عنه. فهؤلاء يرفعون درجتهم عن درجة الأنبياء (ع) إذ كانوا يصرحون بأن ارتكاب الأمور المباحة فضلاً عن الخطايا والمعاصي يصدهم عن طريق الله، حتى يبكون سنين متوالية على ترك الراجح وفعل المرجوح، فهم أشد الناس غروراً، وأعظم الخلق حماقة وجهلا.

و (منهم) من يدعي غاية المعرفة واليقين، والوصول إلى درجات المقربين، ومشاهدة المعبود، ومجاورة المقام المحمود، والملازمة في عين الشهود، وتلقف من الطامات كلمات يرددها، ويظن أنه يتكلم عن الوحي ويخبر عن السماء. وينظر إلى العباد والفقهاء والمحدثين وسائر اصناف العلماء بعين الحقارة والازدراء، يقول في العباد: إنهم أجراء مبعوثون، وفي العلماء: انهم بالحديث عن الله لمحجوبون، ويدعي لنفسه من الكرامات ما لا يدعيه نبي ولا ولي، ويدعي كونه واصلا إلى الحق فارغاً عن أعباء التكليف، لاعلماً أحكم ولاعملا هذب، لم يعرف من المعارف إلا أسماء يتفوه بها عند الأغنياء للوصول إلى بعض حطامهم الخبيثة. فهو عند الله من الفجار المنافقين، وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين، مع ظنه أنه من المقربين، فهو أشد الغافلين المغرورين.

و (منهم) ملامية يرتكبون قبائح الأعمال وشنائع الافعال الموجبة للبعد عن طريق المروة. ظناً منهم أن هذا موجب لكسر النفس وازالة ذمائم الأخلاق، ولم يعلموا ان هذه الافعال من الذمائم، وقد نهى صاحب الشرع عنه.

و (منهم) اشتغل بالرياضة والمجاهدة، وقطع بعض المنازل، ووصل إلى بعض المقامات على قدر سعيه ومجاهدته، إلا أنه لم يتم سلوكه وانقطع عن سائر المقامات، اما لاعتراض مفسد في اثناء السلوك، أو لوقوعه في الاثناء ظناً منه انه وصل إلى الله ولم يصل بعد، فان لله سبعين حجاباً من نور، ولا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب في الطريق إلا ويظن انه قد وصل، واليه الإشارة في حكاية الخليل، حيث رأى أول كوكباً فقال: "هذا ربي "، ثم انتقل إلى القمر، ثم عنه إلى الشمس، فانه ليس المراد بالكوكب والقمر والشمس هذه الاجسام المضيئة، فان شأن مثل الخليل أعظم من أن يظن كونها آلهة، بل هذا ينافي شأنه ورتبته، فالمراد بها الأنوار التي هي من حجب الله، ويراها السالك في الطريق، ولا يتصور الوصول إلى الله إلا بالوصول إلى هذه الحجب، وهي حجب من النور بعضها أعظم من بعض، فاستعير لفظ الكواكب لصغره لاقل مراتبها، والقمر لا وسطها، والشمس لاعظم مراتبها، والخليل (ع) لم يزل عند سيره في الملكوت يصل إلى نور بعد نور، ويتخيل إليه في أول ما يلقاه أنه قد وصل، ثم انكشف له أن وراءه امر، فيترقى إليه حتى وصل إلى الحجاب الاقرب، فقال: هذا اكبر، فلما ظهر أنه مع عظمته غير خال عن الهوى في حضيض النقص والانحطاط عن ذروة الكمال، قال:

" لا أحب الآفلين. إني وجهت وجهي... ".

فسالك هذا الطريق قد يغتر في الوقوف على بعض هذه الحجب، وربما يغتر بالحجاب الأول، وأول الحجاب بين الله وبين العبد هو قلبه، فانه ـ أيضاً ـ أمر رباني ونور من أنوار الله. تتجلى فيه حقيقة الحق كله، حتى يتسع لجملة العالم ويحيط به وتنجلى فيه صورة الكل، وعند ذلك ويشرق نوره اشرافاً عظيماً، إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه، وهو في أول الأمر كان محجوبا، فإذا تجلى نوره وانكشف فيه جماله بعد إشراق نور الله تعالى ربما التفت صاحب القلب إلى القلب، فيرى من جماله الفائق ما يدهشه، فربما يسبق لسانه في هذه الدهشة، فيقول: انا الحق! فان لم يتضح له ما وراء ذلك،اغتر به، ووقف عليه وهلك، وكان قد اغتر بكوكب صغير من أنوار الحضرة الإلهية، ولم يصل بعد إلى القمر، فضلا عن الشمس، فهو مغرور. وهذا محل الالتباس، إذ المتجلى يلتبس بالمتجلى فيه، كما يلتبس لون ما يتراءى في المرآة فيظن أنه لون المرآة، وكما يلتبس ما في الزجاج بالزجاج فيظن أنه لون الزجاج، كما قيل:

فتشابها وتشاكل الأمر
رق الزجاج ورقت الخمر

وكأنما قـدح ولاخمر
فكأنمـا خمر ولا قـدح


وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح، فرأوا اشراق نور الله قد تلألأ فيه، فغلطوا فيه، كمن يرى كوكباً في مرآة أو في ماء، فيظن أن الكوكب في المرآة أو في الماء، فيمد اليد إليه، فهو مغرور. وأنواع الغرور في طريق السلوك إلى الله كثيرة لا تخفى على أرباب البصيرة.

ثم أكثر المتلبسين بلباس العارفين ـ مع كذبهم فيما يدعونه، ونقصانهم في طريق السلوك، وجهلهم بحقيقة الأمر، وعدم قطعهم جل المقامات ـ يشتبهون بالصادقين من العرفاء في زيهم وهيئتهم وآدابهم ومراسمهم والفاظهم، ظانين أنهم بهذا التشبه يصلون إلى مراتبهم، فهيهات هيهات! إن الوصول إلى درجة كل أحد إنما تحصل بالاتصاف بأوصافه الباطنة والتخلق باخلاقه النفيسة، دون التشبه به في حالاته الظاهرة، وقد شبههم بعض الأكابر بامرأة عجوز سمعت أن الشجعان من المقاتلين تثبت أسماؤهم في الديوان ويقطع لكل واحد منهم قطر من اقطار المملكة، فتاقت نفسها إلى أن تكون مثلهم، فلبست درعاً، ووضعت على رأسها مغفراً، وتعلمت من رجز الأبطال أبياتاً، وتعلمت كيفية جولانهم في الميدان، وتلقفت جميع شمائلهم في الزي والمنطق والحركات والسكنات، وتوجهت إلى المعسكر ليثبت اسمها في ديوان الشجعان، فلما وصلت إليه، أنفذت إلى ديوان العرض، وأمرت بأن تجرد عن المغفر والدرع، وينظر إلى حقيقتها، وتمتحن بالمبارزة مع بعض الشجعان ليعرف قدر شجاعتها، فما جردت فإذا هي عجوز ذات منة ضعيفة لا تقدر على شيء فقيل لها: اجئت للاستهزاء بالملك واهل حضرته؟ خذوها والقوها قدام الفيل، فداسها ونحتها. فهكذا يكون حال المدعين للتصوف والعرفان في القيامة، إذا كشف عنهم الغطاء وعرضوا إلى القاضي الحق الذي لا ينظر إلى الزي واللباس بل إلى سر القلب وصفاته.

الطائفة السابعة

(الأغنياء وارباب الأموال)



والمغترون فيهم اكثر من سائر الطوائف:

(فمنهم) من يحرص على بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر وسائر ما يظهر للناس بالاموال المحرمة، وربما غصب ارض المساجد والمدارس، وربما صير لها موقوفات اخذها من غير حلها، ولا باعث له على ذلك سوى الرياء والشهوة، ولذا يسعى في كتابة أسمه على احجارها ليتخلد ذكره يبقى بعد الموت أثره، ويظن المسكين أنه قد استحق المغفرة بذلك، وأنه مخلص فيه، ولم يدر أنه تعرض لسخط الله في كسب هذه الأموال وفي انفاقها، وكان الواجب عليه الامتناع عن اخذها من اهله، وإذا عصى الله واخذها، كان الواجب عليه التوبة وردها إلى اهلها، فان لم يبق من اخذها منه ولا ورثته، كان الواجب ان يتصدق بها على المساكين، مع انه ربما كان في بلده أو في جواره مسكين يكون في غاية الفقر والمسكنة ولا يعطيه درهما.

و(منهم) من ينفق الأموال في الصدقات، إلا أنه يطلب الفقراء الذين عادتهم الشكر والافشاء للمعروف، ويكره التصدق في السر، بل يطلب المحافل الجامعة ويتصدق فيها، وربما يكره التصدق على فقراء بلده ويرغب ان يعطى أهل البلاد الآخر مع اكثرية استحقاق فقراء بلده، طلباً لاشتهاره بالبذل والعطاء في البلاد الخارجة البعيدة، وربما يصرف كثيراً منه إلى رجل معروف في البلاد وان لم يكن مستحقاً، ليشتهر ذلك في البلاد، ولا يعطى قليلا منه إلى فقير له غاية الاستحقاق إذا كان خامل الذكر، يفعل هذا ويظن انه يجلب بذلك الاجر والثواب، ولم يدر المغرور أن هذا القصد احبط عمله واضاع ثوابه.

و(منهم) من يجمع مالا من غير حله، ولا يبالي بأخذ المال من أي طريق كان. ثم يمسكه غاية الإمساك، إلا انه لا يبالي بصرف بعضه في طريق الحج، إما لنفسه فقط، أو لأولاده وازواجه أيضا، اما للاشتهار، أو لما وصل إليه. ان تارك الحج يبتلى بالفقر.

و(منهم) من غلب عليه البخل، فلا تسمح نفسه بانفاق شيء من ماله فيشتغل بالعبادة البدنية من الصوم والصلاة، ظناً منه ان ذلك يكفي لنجاته، ولم يدر ان البخل صفة مهلكة لا بد من ازالتها، وعلاجه: بذل المال دون العبادات البدنية. ومثله مثل من دخلت في ثوبه حية، وقد اشرف على الهلاك، وهو مشغول بطبخ السكنجبين ليسكن الصفراء، وغافل بأن الحية تقتله الآن، ومن قتلته الحية فأي حاجة له إلى السكنجبين؟


(ضد الغرور الفطانة والعلم والزهد)

قد عرفت ان الغرور مركب من الجهل وحب مقتضيات الشهوة والغضب، فضده الفطانة والعلم والزهد، فمن كان فطناً كيساً عارفاً بربه ونفسه وبالآخرة والدنيا، وعالماً بكيفية سلوك الطريق إلى الله وبما يقربه إليه وبما يبعده عنه، وعالماً بآفات الطريق وعقباته وغوائله، ولا جتنب عن الغرور ولم يغره الشيطان في شيء من الأمور، إذ من عرف نفسه بالذل والعبودية وبكونه غريباً في هذا العالم اجنبياً من هذه الشهوات البهيمية، عرف كون هذه الشهوات مضرة له وان الموافق له طبعاً هو معرفة الله والنظر إلى وجهه فلا يسكن نفسه إلى شهوات الدنيا، ومن عرف ربه وعرف الدنيا والآخرة ولذاتهما وعدم النسبة بينهما ثار في قلبه حب الله والرغبة إلى دار الآخرة والانزجار عن الدنيا ولذاتها، وإذا غلبت هذه الارادة على قلبه صحت نيته في الأمور كلها، فان أكل ـ مثلا ـ أو اشتغل بقضاء الحاجة كان قصده منه الاستعانة على سلوك طريق الآخرة، واندفع عنه كل غرور منشأه تجاذب الاغراض والنزوع إلى الدنيا وإلى الجاه والمال، وما دامت الدنيا أحب إليه من الآخرة وهوى نفسه احب إليه من رضاء الله، لم يمكنه الخلاص من الغرور. فالاصل في علاج الغرور: ان يفرغ القلب من حب الدنيا. ويغلب عليه حب الله، حتى تتقوى به الارادة وتصح به النية ويندفع عنه الغرور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Hussein A Aldorr
مشرف شؤون الغلوم والتكنولوجيا والكمبيونر
مشرف شؤون الغلوم والتكنولوجيا والكمبيونر
Hussein A Aldorr


عدد المساهمات : 78
تاريخ التسجيل : 31/12/2010
العمر : 38

اسباب الغرور عند بعض الناس Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسباب الغرور عند بعض الناس   اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالجمعة أبريل 29, 2011 10:53 am

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:إعلم أنك لن تخرج من ظلمات الغرور والتمني إلا بصدق الانابة إلى الله، والأخباث له، ومعرفة عيوب أحوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم، ولا يحتمله الدين والشريعة وسنن القدوة وأئمة الهدى، وان كنت راضياً بما أنت فيه فما أحد اشقى بعملك منك واضيع عمراً، فورثت حسرة يوم القيامة "
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ali al jabali
مشرف شؤون بلدة مجدلزون
مشرف شؤون بلدة مجدلزون
ali al jabali


عدد المساهمات : 608
تاريخ التسجيل : 01/01/2011

اسباب الغرور عند بعض الناس Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسباب الغرور عند بعض الناس   اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالجمعة أبريل 29, 2011 11:21 am

أعتقد أن المشاكل النفسية هي التي تسبب الغرور الزائد عند الانسان
وهذا الشيء يضعف شخصية الانسان في نهاية الطريق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
adnan fakih
مشرف المنتدى العام والرياضة
مشرف المنتدى العام والرياضة
adnan fakih


عدد المساهمات : 406
تاريخ التسجيل : 01/01/2011
العمر : 61
الموقع : مجدلزون

اسباب الغرور عند بعض الناس Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسباب الغرور عند بعض الناس   اسباب الغرور عند بعض الناس Icon_minitimeالجمعة أبريل 29, 2011 3:03 pm

الغرور اسبابه ناتجة عن عقدة نقص يصاب بها احدهم فيلجأ للتعويض عبر انتفاخ زائد ( بالثقة بالنفس ) الا انه لا يخرج عن انه مرض خطير اذا استفحل يالشخص فيقضي على انسانيته ويتدرج فيصبح عدوانيا" سواء" بالكلام او بالحركات او بالمواجهة المباشرة مع الاخر وهذا ما يفسر عدم تقبله لاي نقد يوجه اليه مهما صغر حجمه ويتجه نحو اثبات صحة رايه حتى ولو كان ضمنيا" يعرف انه حطأ .

اكتفي بهذا القدر من الرد لان الاخ حسين الدر اتحفنا بموسوعة فضفاضة عن الموضوع لم يتسنى لي قراءتها لاني زهقت قبل ما اقراها , ههههههههههههه

شكرا" لكم جميعا"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اسباب الغرور عند بعض الناس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كيف تجعل الناس تحبك في 90 ثانية أو اقل اقرا المزيد كيف تجعل الناس تحبك في 90 ثانية أو اقل | كل شي
» اين انتم يا اشرف الناس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى الثقافي- مجدلزون ***CULTURAL FORUM OF MAJDELZOUN ***CFM :: المنتدى الثقافي العام :: المنتدى العام-
انتقل الى: