بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين ، حبيب إله العالمين ، المصطفى الأمجد أبي القاسم محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين .
بدايةً أشكركم على التفاعل مع الموضوع والذي يجعلنا أن نعيش بين سطور هذه الكلمات في قلب قرى جبل عامل الصامد وبقاعه الراعد والذي تحطمت على صخورهما فلول الغزاة الصهاينة وبعــد .
وتسألني عن بلدتي ، فيأخذك نسيمها حيث هي ، وادعة على هضاب وتلال وادي الحجير ، من أين لك أن تسألني وهي مرسومة بشقائق النعمان وعمامة الراعي وزهر القندول يعبر كتفها ومن قلبها النابض نهر الحجير الذي إختلط بدماء الشهداء الميامين والمقاومين والثوار ، فينبتُ على ضفافه النصر الآتي من محراب الإمام ، حيث توضأ هناك من مياهه العذبة وأمّ المصلين مع الثوار المقاومين في أولى ملاحم البطولة ، حيث إلتحف ترابها أجساد ميامين ، حيث هي التاريخ الثائر المقاوم ، يحدثك عنها من زرعت أقدامه في أرضها وهو يجر محراثه جيئة وذهابا ً، وأبى الخروج والهجرة حيث بقيّ هو هو صامد وثابت القدم والجنان كجبال لبنان وشموخه ، وتسألني عن نسيج الأشواق والحنان الذي يلف جدرانها إشراقة مع شمس الصباح وعند بزوغ القمر في بدر ليلته ، تقرأ عنوانها على ملامح الجباه من سمرتها التي تشبه الأرض طهارة ، وتسألني عن سـرّ الجمال الذي أودع في داخلها وثراها ، فيجيبك سرّ وجودها على هضاب وادي الحجير ، ونغمات بلبلها الشادي ، إسمها صبية تحمل زهر البلان دون شوكه الدامي فتقدمه لك وعلى مداخلها ، فيحملك الحلم إلى البيت العتيق ، الذي بقيّ صامدا ً كصمود جبالها التي لم تنحن إلا لله إجلالاً وتواضعا ً، فتعرج بك إلى نسيمات الفجر التي تشق مقلتيها فرحا ً بقدومك ، تستقبلك بتحنان وشغف ، وتتمنى أن يطول المشوار بك حيث تشاء بين منازلها وأحيائها وشوارعها وبيادرها ، كيف لا وقد كانت وما تزال المثل والمثال ، إذ أنك تتمنى أن تبقى في أحضانها تنعم بالدفء ، هي جميلة وادعة وقد وهبها الله تعالى سـرّ هذا الجمال الكوني ، بأبنائها وكهولها وشيوخها وصباها وشهدائها ، حين تصل إلى مداخلها ينتابك شعور وكأنك بين جنائن الله المعلقة بين السماء والأرض ، تستقبل وافدها بإبتسامة كصبيّة عبرت وعلى رأسها جرار العين الملأى بألذ ما ذرفته عيون عاملة . تلك هي بلدتي قبريخـــــا فأهلاً ومرحباً بك بين أبنائك وإخوتك وأخواتك ...
موقع البلدة وأهميتها الجغرافية :
تتبع بلدة قبريخا إدارياً لقضاء مرجعيون ومحافظة النبطية ، تبعد عن بيروت 110 كلم ، ترتفع عن سطح البحر حوالي 550 م تقريباً ، تشرف على وادي السلوقي ووادي ونبع الحجير ( وادي الشهداء حاليا ً) يحدّها من الشرق بلدتي بني حيان وطلوسه ورب ثلاثين ، ومن الغرب بلدة تولين ومزرعة التامرية ، ومن الشمال بلدة القنطرة ، ومن الجنوب بلدة مجدل سلم ، وهي من ناحية هونين مشرفة على هضاب ووادي الحجير والذي يقع جغرافيا ً شمالي غربي بلدة قبريخا .
أصل بلدة قبريخا وممن إشتق إسمها :
كلمة قبريخا بقاف مفتوحة ، وباء موحّدة ساكنة ، وراء مهملة مكسورة ، وياء مثنه من تحت ساكنة ، وخاء معجمة وألف مفتوحة .وكلمة قبريخا أصلها عبراني ، وقد سميّت بهذا الإسم نسبةً الى ملك كان يقصدها أو إستوطن بها . إسمه ( إيخا أو ريخا ) ويقال إن هذا الملك دفن فيها ولكن لا يوجد مستند ونصّ تاريخي لذلك ، سوى روايات يحملها ويرويها الأجداد للأبناء منذ القدم قرب الموقدة في شهر كانون ، فأصبحت تسمى ( قبر أيخا ) أو ( قبريخا ) قبريخا بلدة جنوبية وادعة ، أهلها أناس طيبون ومتواضعون يحملون عقيدة الولاء المطلق لآل بيت رسول الله (ص) .
السكان وأسماء العائـلات .
يبلغ عدد سكان بلدة قبريخا حوالي العشرة ألاف نسمة موزعين على العائلات التالية :
شمس الدين ، الزّين ، حجازي ، منصور ، فحص ، حيدر ، ملحم ، بشارة ، غياض ، سلمان ، حمود ، زهوي ، خليل ، مصطفى ، حسين ، عطوي ، خليفة ، عبدو، شهاب ، حسن ، درويش ، سعد ، إبراهيم .
بلدة قبريخا لها مجلسها البلدي المؤلف من 15 عضوا ً و3 مقاعد إختيارية ، حصلت على المجلس البلدي هدية من المرحوم الشّيخ عبد الحليم الزيّن تكريما ً ليداه الكريمتان ولبنائه حسينية ومدرسة البلدة الرسمية عام 1963 . وكما يوجد فيها مدرسة رسمية مختلطة ، وحسيّنية الإمام الحسين(ع) من طابقين ، ومستوصف ، ومركز ثقافي إجتماعي قاعة أم البنين ، ونادي وملعب رياضي ، وثلاث مساجد أحد منهم هو مسجد البلدة مشيّد بالصخر منذ العام 1337 هجري ( دمّر أثناء العدوان عام 2006 ) تشتهر بزراعة التبغ ، وللتبغ ألف حكاية وحكاية مرّة ، بالإضافة إلى الحبوب على أنواعها وأشجار الزيتون حيث أن معظم أراضيها أصبحت مغطاة بأشجار الزيتون وغيرها ويوجد فيها مواقع أثرية ومغاور وأعمدة قلعة يقال إنها لقصر الملك ريخا بالإضافة إلى بعض القبور المحفورة بالصخر ولا زالت لتاريخه .
معظم سكانها في بلاد الإغتراب في دولة ( البرازيل ، البراغواي ، الأرجنتين ، وتشيلي ، وفنزويلا ، والكونغو، وكندا ، ودبي ، والدوحة ، وبعضهم في المملكة العربية السعودية والكويت ، ومنهم من نزح إلى العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية واستقر هناك ، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية والإقتصادية التي كانت تعيشها البلدة ولبنان كافة قبل وبعد الإحتلال الصهيوني منذ سنوات خلت .
علمائها:
الشّيخ عبد الكريم شمس الدين ، الشّيخ محمّد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشّيعي الأعلى ، الشّيخ محمّد جعفر شمس الدين إمام البلدة سابقا ً ، الشّيخ عبد الأمير شمس الدين ، وشقيقي الشّهيد الشّيخ حكمت أحمد الزّين ، وهو من الكوادر التأسيسية لحركة أمل ، الشّيخ زيد فحص ، ، السيّد علي عبد حجازي ، السيّد حسين محمود حجازي ، الشّيخ محمّد منصورمنصور ، السيّد حسين علي حجازي ، السيّد علي حسين حجازي .
يوجد في بلدة قبريخا حوالي أكثر من 200 بين طبيب من إختصاصات مختلفة وصيادلة ومهندسين ومحاماة ، وكتّاب وأدباء ، وأكثر من 200 من حملة الإجازات الجامعية المختلفة .
العادات والتقاليد :
لكل قرية من قرى جبل عامل عادات وتقاليد يتميزون بها عن بعضهم البعض ، وقبريخا لها عاداتها الخاصة بها وهي مناسبات العزاء والأفراح فمثلاً عند وفاة أي شخص من البلدة لا زال الأهالي يشاركون بهذه المناسبات سواء في الأحزان والأفراح كباقي البلدات المجاورة لها حيث يشارك جميع البلدات من حولها بذلك .
لمحة تاريخية عن بلدة قبريخا .
الأحياء والأودية : جلالي الجسر، حي السلّم ، المزيلقة ، عريشة ، الحارة التحتا ، المقطع ، درب الصوان ، المروانية ، البلدة القديمة ، ويحاصرها وادي الحجير، ووادي السلوقي ، وادي الرصيف ، وادي الميس ، والرحراح .
تعاقب على لبنان عدد من الدول التي إحتلته ، وقد شمل هذا الإحتلال لبنان بأكمله جنوباً وشمالاً وبقاعاً وجبلاً ، فأثناء الوجود التركي عانت البلدة ما عانته مع باقي البلدات من الحكم التركي المظلم ، ومن ثم الإحتلال الفرنسي ، حيث شهدت على أرض البلدة مقاومة عنيفة ضدّ هذا الإحتلال والغزو التركي والفرنسي ، وقد إلتحق العديد من المناضلين المقاومين من أبنائها جنبا ً إلى جنب مع الثوار المقاومين أمثال صادق حمزة وأدهم خنجر وخلالها عقد مؤتمر وادي الحجيرالشهير عام 1920 بقيادة المقدّس والمرجع السيّد عبدالحسين شرف الدين ، الذي إحتضن كل أحرار جبل عامل وبعدها أي في عام 1948 عام النكبة وإحتلال فلسطين بدأت هجرة الفلسطينين إلى لبنان ، وفي تلك المرحلة وعند ذهاب بضعة رجال منها على الجمال والخيل لشراء حاجياتهم من فلسطين عندها قامت العصابات الصهيونية ( الهاغانا ) بمحاصرتهم ثم تم جمعهم وأسرهم ، فارتكبت العصابات الصهيونية المذكورة أبشع مجزرة عرفها التاريخ وهي مجزرة حولا الشهيرة ، حيث ذهب ضحيتها 580 شهيداً من قرى جبل عامل وكان نصيب البلدة هو الشّهيد دخل الله فحص ، ونجا من هذه المجزرة بإعجوبة مواطن وهو الحاج عبد الحسن فحص ، ولم يزل شاهد عيان على تلك المجزرة الدموية حتى إعداد هذه السطور . وفي العام 1958 إندلعت الأزمة الوطنية المعروفة بثورة شمعون وسياسة الأحلاف الغربية ، حيث دخلت القوى الأمنية الجيش اللبناني على البلدة الصابرة وقتل منها الشهيد علي قاسم حجازي في وادي السلوقي ، وعند إنطلاق المقاومة الفلسطينية تعاطفت مع القضية الفلسطينية بكل أبعادها الوطنية والإسلامية والقومية ، حيث كان شبابها يتدربون في مراكز حركة فتح المنتشرة في البلدة وجوارها ووادي السلوقي والحجير وفي شهر أيلول من العام 1972 إستفاقت بلدة قبريخا على موعد جديد من الإعتداء الصهيوني الأول ولقي العدو مقاومة ضارية وعنيدة وشرسة أسفرت عن إستشهاد 30 مقاتلاً فلسطينياً من حركة فتح وأحد أبنائها إستشهد مسموماً بواسطة الغازات السامة وقد خسرالعدو في صفوف جنوده العشرات بالإضافة إلى تدميرعـدة دبابات وآليات عسكرية مختلفة حيث بقيّت هياكلها للأمس القريب نعبث ونلهو بها يوم كنّا أطفالاً ، وبعدها كانت على موعد مع اللقاء الكبيرمع قائد ومؤسس المقاومة في لبنان الإمام السيّد موسى الصدر حيث زارها عدة مرات وكانت بوادر هذا اللقاء الحُب الكبير في المشاركة الأولى لأبنائها الحركيين جنبا ً إلى جنب مع الشّهيد الدكتور مصطفى شمران ( الشّهيدين الشّيخ حكمت أحمد الزّين والشّهيد محمّد مصطفى منصور) في التصدي لأولى ملاحم البطولة لطلائع أفواج المقاومة اللبنانية امل في بلدة الطيبة ورب ثلاثين وبنت جبيل وصف الهوا ، أثناء الغزو الصهيوني عام 1976.
قدمت البلدة ضريبة الدم كباقي قرى جبل عامل ، ما يزيد عن خمسون شهيداً نذكر منهم : الشّهيد علي محمود حجازي الذي استشهد خنقاً بقنابل الغاز، ونجا أخوه السيّد حسين حجازي ، بالإضافة إلى الشّهيد محمّد مصطفى منصور أثناء تصديه للغزو الصهيوني عام 1978 بلدة مارون الراس ، الشّهيد الشّيخ حكمت أحمد الزّين إستشهد في مدينة النجف الأشرف العراق ، الشّهيد محمّد حسن الزّين أثناء تصديه لقوة كومندوس في البرج الشمالي مدينة صور ، الشّهيد محمّد محمود الزين إستشهد في كمين نصب على نبع الحجيرمن قبل العدو الصهيوني ، الشّهيد حسن علي الزّين وعباس قمص أثناء المواجهة في وادي السلوقي ، الشهيد أسدالله الزين أثناء المواجهة في البلدة ، ، الشهيدة خديجة داوود الزين ، والشهيدة الحاجة سكنة الزين ، والشهيدة غزالة زهوي سلمان والشّهيد علي منصور، والشّهيد على إبراهيم منصور الشهيدة جمانة فحص ، أثناء قصف البلدة من العدو، الشّهيد حجازي حجازي أثناء تصديه لقوة معادية بين بلدتي طلوسة ومركبا ،الشّهيد سعيد منصور وغيرهم واللائحة تطول بالأسماء ...
وبعد إنسحاب العدو الصهيوني في المرحلة الثانية عام 1985 حيث كانت بلدة قبريخا تشكّل درعاً في الخط الأول الأمامي للمقاومة بما يشبه خط التماس حيث فتحت أحضانها للمقاومة وواجهت القصف الصهيوني بالصمود والصبر والثبات ، ولم تنحن وقدمت الكثير من أبنائها شهداء ميامين في مسيرة التحرير والنصر المظفر في أيار عام 2000.
لقد عانت بلدة قبريخا مرارة القصف طوال ثلاثين سنة ونيّف وقد إعترف العدو في أكثر من مرة من أنه خسر ما خسر في تلك البلدة الصابرة المقاومة والمحتسبة ونال العدو منها بقصفه المُركّز من هدم للمنازل وإحراق المزروعات والتسبب في النزوح والهجرة إلى العاصمة وضاحيتها الجنوبية ، لكن الإرادة الحرّة كانت أقوى وأصلب من آلة العدو الحربية المدمّرة ، وأشد صموداً من جيشه الذي قيل عنه في يوم من الأيام أنه الجيش الذي لا يقهر، لكنه هُزم شـرّ هزيمة على أرضها وأرض جبل عامل ولبنان بكامله . هذه جزء من صفحات بلدتي قبريخا العاملية المشرقة . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
[center]
الثلاثاء يونيو 17, 2014 4:14 pm من طرف المحامي منير العباس
