[center]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين سيّدنا ونبيّنا ، وحبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا وشفيع ذنوبنا ، حبيب إله العالمين ، المصطفى الأمجد أبي القاسم محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين المنتجبين الأخيار.
أيّها الأخوات والإخوة الأعزّاء : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال الله تعالى في سورة الروم * ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لّتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة ، إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون * صدق الله العظيم .
قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين ، عليه وعلى أبائه أفضل الصلاة وأزكى التحيات : حق الزوجية أن تعلم أنّ الله عزّ وجل جعلها لك سكناً وأنساً ، وتعلم أنّ ذلك نعمة من الله تعالى عليك ، فتكرمها وترفق بها ، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك ، تطعمها وتكسوها فإذا جهلت عفوت عنها .
يتناول هذا البحث جانباً جديداً من ميدان التكافل الإجتماعي في حياة الزوج والزوجة ، ويتناول جانب الحقوق الشرعية والأدبية والمادية للزوجة ، مرة بالتشريع ومرة بالتوجه الوجداني المؤثر ، والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الزوجية ، وتشغل تفكيرهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين ، وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة والأنماط والإتجاهات بين الزوج والزوجة ، ولكنهم قلما يتذكرون يد الله تعالى التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجاً وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر وجعلت من تلك الصلة سكناً للنفس والعصب ، وراحة للجسم والقلب ، واستقرار للحياة والمعاش ، وأنساناً للروح والضمائر واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء ، وحرزاً لنصف الدين ، وتنفيساً شرعياً إجتماعياً للجسم على حدٍ سواء . وهذا التعبير اللطيف الرقيق للإمام زين العابدين ( ع ) يصوُر هذه العلاقة تصويراً موحياً كأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الإحساس ، كإنما يلتقطها ويأخذها من قوله تعالى * لتسكنوا إليها * وجعل بينكم مودة ورحمة * وأيضاً جاء في سورة البقرة * هنّ لباس لّكم ، وأنتم لباس لّهنّ * فتدرك حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقاً للآخر ، ملبياً لحاجته الفطرية ، نفسية وعقلية وجسدية ، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والإستقرار ، ويجد أن في إجتماعهما السكن والإكتفاء ، والمودة والرحمة بينهما سبيلاً لحياتهما معاً ، لأن تركيبهما النفسي والجسدي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر ، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لانتشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد ، فسلام الله عليه ، يصوُر صلة النفس بالنفس ، وصلة السكن والقرار ، وصلة المودة والرحمة ، وصلة الستر الجميل . إذاً فالإنسان ليحس في ألفاظ الإمام (ع) ذاتها حنوّاً ورفقاً ، ويستروح من خلالها نداوة وظلاً ، وأنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك الرباط الإنساني المقدّس والرفيق والوثيق ، وانها لتعبير عن العلاقات الروحية والجسدية المقامة على أساس المشاعر الإنسانية الراقية التي تجعل من إلتقاء جسدين نفسين وقلبين وروحين ، بتعبير شامل إلتقاء إنسانين تربط بهما حياة مشتركة ، وآمال مشتركة ، ومستقبل مشترك ، يلتقي في الذرية المرتقبة ، ويتقابل في الجيل الجديد الذي ينشأ في القفص الزوجي المشترك ، والذي يقوم الوالدان وهما حارسين لا يفترقان .
فشرعت الزوجية فكانت أوثق الروابط وأمتن الصلات ، منها كانت النبوّة ، ووجدت الأبوّة ، وتولّدت الأخوّة والأخوات ، وتفرّعت القرابة ، وبها نشأت المصاهرة وتكونت الأسرة ، فكانت لذلك روح الإجتماع الإنساني ، في صلاحها وصلاح الأمّة ، وفي قوتها قوة المجتمع الإنساني ، فهي مبدأ الإصلاح ومبعث النمو ، ومنشأ القوة . شرع لها الإسلام من الحقوق والواجبات ما يكفل بقاءها وصلاحها وتبلغ به غايتها على ضوء الأخلاق العالية والعواطف النزيهة ، حيث يكون الولد البر الأب الرحيم ، والأم الحنون ، حيث ينشأ الطفل على فطرة الدين الذي فطر الله بها الإنسان ، ويشبّ على الفضيلة ، ويتهيأ لتحمل متاعب الحياة وتكاليفها ، ويوجه إلى مثلها الأعلى ، وغايتها المرجوة حتى يتم للعالم عمرانه وللإنسان سعادته ، ومن هذه النواحي نظر إليها الإسلام واهتم بأمرها ، فأوجب في بداية الأمر إشهارها وإعلانها ، وندب إلى الإحتفاء بها تعظيماً لشأنها ، وأوجب على الزوج المهر ، وهو السنّة النبوية الشريفة ، وجعله حقاً خالصاً للزوجة ، جزاءً ما رضيت به من شراكة إنسانية مع الرجل ، وما فرضته على نفسها من تبعية ، وما ستقدمه من معونة ، إعتزازاً لجانبها ولشخصها وتكريماً لإلتزامها ، لا يجب في الجهاز ، ولا مطمع لأحد من زوج أو قريب ، ولا رغبة فيه لأحد ، إلاّ رغبتها وحدها الخالصة والصادقة والإنسانية . لذلك رفع الإسلام من شأن الزوجية فجعلها صلة أبدية ، قوامها المحبة وأساسها المودة والرفق والرحمة ، حيث يقول الله تعالى * ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لّتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون * هذا الحب الذي من وده ينشأ الود كله في الصدور والأفئدة ، ومن سكنه يخيّم السكينة كلها في النفوس ، ومن رحمته تفيض الرحمة كلها على كل القلوب ، هذا الحب الذي من خيوطه ينسج الزوجان أوكار وسرائر الصغار والأطفال ، وهي أجمل وأحلى وأقدس صورة خلقها الله في ملكوته من السماوات والأرض ، يدخل إليها الرجل قسوةً ، فيصبح إنساناً بكل معنى كلمة الإنسان ، وتدخل إليها المرأة لعبة ، فتصبح الجنّة تحت أقدامها ، ما أروعها تلك الكلمات والآيات البيّنات ، والتي تصوّر أنّ الجنّة تحت أقدام الأمهات . إنها حياة إنسانية تخيّم عليها السكينة والهدوء ، وتورق فيها الرحمة ، ويزهر بها الجنان ، وتثمر منها عبادة الله خالق الكون ومدبره ، فيبدأ أول دعاء صادق نستمطر منه الرحمة من الله على أفلاذ أكبادنا الذين جعلهم الخلاّق الحكيم بسرّ الحب أعزّ علينا من أكبادنا . حيث يقول الله تعالى في سورة الأعراف * هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشّاها حملت حملاً خفيفاً فمرّت به ، فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين * هذا الحب الإنساني المتكامل والذي بسرّه صرنا نمتلك حب أطفالنا وأزواجنا وآباؤنا وأبناؤنا وأمهاتنا ، والأهل والإخوان والخلان ، والجيران ، وكل أخ لنا في الإنسانية . هذا الحب الذي خلق الله منه الجمال والكمال كله ، وفي خدمته صنع الإنسان الجميل كله ، من الشجاعة والكرم إلى الزهو والخيلاء ، إلى الأناقة إلى الظرف إلى الترف إلى الحداء إلى الشعر والنحت والتصوير وهو يظن بهذا كله أنّه يتعبّد الحب والحبيب من غير أن يدري أنه في أعماق نفسه ، إنما يتعبّد الذي خلق فيه السرّ العجيب . إذاً ، فالأوقات المملوءة بالمحبة هي أوقات الياقوت وأيام الأمل ، حيث تشابه الزمرد ، والأزمان التي تمضي بالصداقة تحاكي الفيروز ، والأعمار التي تنقضي بالوئام والإتحاد تكون كاللالىء ، فهذه النفائس بعد أن يمضي وقتها ، وبعد أن تتزين بها النحور ، يجب أن تصان في محافظ قيّمة ، ويجب أن يعنى بها بشأنها لئلا يصيبها أذى أو يعتريها فساد أو يلحقها غبار ينقص من شأنها .
فقرر الإسلام لكل من الزوجين حقوقاً راعى فيها ما بينهما من مميزات وفوارق طبيعية واجتماعية ، فقد خلق الرجل على الجملة أقوى جسماً وأصلب عوداً وأثبت قلباً ، فكان لذلك أقل تأثراً وأضبط عاطفة ، وأوفر عقلاً ، وكانت لذلك وظيفة في الحياة الخارجية ، يكدُ ويعمل في طلب الرزق ، ويحارب ويدافع في المحافظة على المال والنفس والعرض ، ويقوم على البيت ما يحوي من زوجة وأولاد ، فهو يكدح أغلب عمره كي يوفّر لهذا البيت الزوجي طمأنينته الإنسانية ، والواقع أن العمل خارج البيت هو شريان البقاء للحياة داخل البيت . والعمل خارج البيت معصوب برأس الرجل الذي زودته الأقدار بطاقة موصولة على الكدح والمعاناة والتعب والإجتهاد والجهد المتواصل .
وكانت وظيفة الزوجة داخلية ، أمومة ورضاع وتربية وتهذيب ونظافة وتدبير ، وعلى هذا الأساس شرع الإسلام حقوق الزوجية وقررها ، فأوجب على الزوج أن يقوم بما تطلبه الحياة من حاجات بقدر ما يتسع له رزقه من غير تقتير ولا إسراف حيث قال الله تعالى في سورة الطلاق .* لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله * لا يكلف الله نفساً إلاّ ما آتاها * سيجعل الله بعد العسر يسراً * قال رسول الله نبيّ الرحمة (ص) في خطبة حجة الوداع : ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهنّ في كسوتهن وطعامهن ، إلى أن قال : إستوصوا بالنساء خيراً فإنما هنّ عوان عندكم . وقال ايضاً : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم لنسائهم . وسئل (ص) ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ فقال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تجهر ، إلا في المبيت . وقال أيضاً كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت . وقال أيضا : لا يترك مؤمن إن كره منها خلقاً رضي منها آخر . والله تعالى يقول في سورة الطلاق .* وعاشروهنّ بالمعروف * . فالزوجة هي عون للرجل ، فمن واجبه أن يعاملها المعاملة الإنسانية التي تليق بها ، فيكرمها ويحسن معاشرتها ، فإن ذلك دليل على كمال خلق الرجل وتمام إيمانه بالله تعالى ، وإذا كان لا بدّ أن توجد في الإنسان بعض العيوب أو الصفات التي يرضاها الآخر ، فلا ريب أنّ هناك صفات كثيرة غيرها تعوض عنها وتقوم مقامها وتدعو للإعجاب . وليتدبر الأزواج بقوله تعالى * لينفق ذو سعة من سعته * وقول رسول الله (ص) " أن تحسنوا إليهنّ " فليوسع على زوجته ما استطاع وليحسن إليها ما وجد ، فإن ذلك أبقى للمودة وأرعى لحرمة وأنفى لكفر النعمة . وعلى الزوجة ألاّ تشتط في الطلب ، وتلح في السؤال ، فتطلب من زوجها ما لا يستطيع ، وتكلفه ما لا يقوى عليه ، إن أجاب فإلى دين ومذلّة ، ثم إلى فقر ومسكنة ، وإن رفض فإلى ضغن وبغضاء حيث يذهبان بالمودة ، ويقضيان على المعاونة . حيث أشار الله تعالى بقوله في سورة الطلاق * لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها * . ولقيام الرجل بهذه النفقة كان له بالطبع نوع من الرعاية في بيته حيث قال الله تعالى في سورة النساء * الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم * ... وهذا النوع من الولاية يستوجب على الزوجة الطاعة لزوجها فيما يريده منها ، ما لم يكن من معصية حرّمها الله تعالى ، فتطيعه فيما تتطلبه الزوجية مما فيه حفظ الدين والمال والولد والكرامة والود والعفاف ، وفي ذلك يقول رسول الله (ص) " لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح أن يسجد لبشر ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظيم حقه عليها " . إذاً ، فلا بدّ للمرأة الصالحة من رعاية زوجها ، بأن تهيىء له المنزل الذي يتحقق فيه السكون المرجو من الحياة الزوجية ، وذلك لا يتحقق إلا بإداء المرأة واجباتها نحو زوجها ، يحدوها الإخلاص والمحبة والود والرحمة والإحترام والوفاء ، ويقول رسول الله محمّد (ص) " أيما إمرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة " وأيضاً قال (ص) خير النساء من تسرّك إذ أبصرت ، وتطيعك إذا أمرت ، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك " ... إذاً ، المرأة كما نرى تلعب الدور الأبرز والكبير في حياة الزوجية السليمة ، فهي مسؤولة عن بيت زوجها وحفظ ماله ، كما أن عليها أن تبعد الريبة عن نفس زوجها ، فلا تدخل بيته من يكره حين غيابه . حيث أساس الوفاق والمتفاهم عليه بين الرجل والمرأة والطاعة ، أي وجب على المرأة أن تطيع زوجها فيما أمرها ، إلاّ معصية الخالق سبحانه وتعالى .... نسأل الله تعالى أن يتقبّل أعمالكم وصيامكم وقيامكم في هذا الشهر الفضيل ، وأن يوفقكم ويرعاكم برعايته ، إنه سميع مجيب الدعوات ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
المراجع : سورة /الروم / البقرة / الأعراف / الطلاق / النساء /
بقلم : أبو قاسم الزين .