علي محمّد الزّين مشرف الشؤون السياسية
عدد المساهمات : 536 تاريخ التسجيل : 01/03/2011 العمر : 58
| موضوع: خطبة الجمعة للإمام موسى الصدر بتاريخ 1978/3/31 / تسجيل صوتي / الإثنين مارس 14, 2011 3:39 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم والحمدُ لله رب العالمين ، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله ، نتوكلُ عليه ، ونعوذ به من شرور أنفُسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، ومن يهدي الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فما له من هاد . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ، ولو كره الكافرون ، الحمد لله ، الذي لا يحمد على مكروه سواه ، والشكر على ما أنعم علينا بالإيمان ، وبالوعي ، وبالعدل الذي نعبده ، ونزن أمورنا ، وصعوبات حياتنا ، ونفكّر في مستقبل أمرنا ، أيُها الإخوة المؤمنون : أننا نعلم ، أنّ يوم الجُمعة ، في الحساب الإسلامي ، هو اليوم الذي يجمع الله الناس للحساب ، وهذا ما نقولهُ ونكررهُ دائما ، ونقول ، أننا في يوم الجمعة المباركة ، ونحن في بيت الله ، وبين يدي الله ، عالم السرّ والخفيات ، نقفُ ونتأمل ، ونُفكّر في ماضينا وفي مستقبلنا ، فنحاسب أنفسنا قبل أن يُحاسبنا الله جلّ وعلا ، وقبل أن يُحاسبنا التاريخ ، في مواقفنا وأعمالنا . فالجمعة إذا ، كانت ، يوم المحاسبة والتأمل والعبرة والتخطيط ، فالمصائب تنتهي وتتعالج ، مهما عظمت ، أمام المصائب الكبرى ، التي نعانيها في هذه الأيام ، والتي بلغت القمّة ، لا يمكن للمؤمن أن يفقد أعصابهُ ، وأن يسقط أمام المصيبة ، وأن يستسلم للعدو ، الذي سبب المصائب والكوارث لنـا ، ولو كان العدو، أنفسنا وأهوائنا وأخطائنا ، فلا نتهم الآخرين ، قبل أن نبحث في أسباب المحنة ، فنفتش عمّا في نفسنا ، وعمّا حولنا ، وعمّا بيننا ، قبل أن نفتش ، عمّا وراء الحدود ، وعن البعيد البعيد ، الذي يضع خُطة المؤامرة ، فينفذها في أرضنا الطاهرة ، وفي منطقتنا العزيزة ، أمام المصائب ، إذا جزعنا أو أُسقط في أيدينا ، فنحن خسرنا الحال والمستقبل ، بينما إذا كنّا بقوّة إيماننا ، ذلك الإيمان الذي يجعلنا نؤمن بأنّ الله في قلب المؤمن ، وأنّ قلب المؤمن ، عرش الرحمّن ، ذلك الإيمان الذي يربطنا بالله ، خالق الكـون وبارئه ومدبّره ، ذلك الإيمان الذي يربطنا بعقل الكون ، وقلب الكون ، بإرادة الكون ، وبأحاسيس الكون ، ذلك الإيمان الذي رسم لنا تاريخنا المشرق ، وسيرسم لنـا بإذن الله مستقبلنا المشرق ، عندما ننظر إلى المصيبة بالإيمان ، نحاول أن نقيّم المصيبة وأبعاد المحنة ، ونفتش عن السبب ، ونحاول الإستخلاص بالعبرة والنجاة ، ونتجاوز الالآم كلها ، أما الإستسلام للمصيبة ، والبكاء على الأطلال ، والمحنة والجزع وفقد الأعصاب ، فهذا شأن الضعفاء المهملين في التاريخ ، أولئك الذين ضربوا ضربة ، فأخرجوا من التاريخ من غير رجعة ، ولا يمكن لنا أن نقبل ذلك على أنفسنا ، لأننا أمام تاريخ كان آباؤنا وآجدادنا وكبارنا في لبنان وفي جنوب لبنان وفي خارج لبنان ، أمام تاريخ كله وقفات عـزّ ، وكله تأملات للعلاج ، وللخروج من المحنة . أتذكر نقطة واحدة ، تلك النقطة التي نكررها بإستمرار، وفي كل جلسة من مجالسنا ، أن نتذكر دائما سـيّد الشهداء ، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، نتذكر تلك الوقفات ، فلنتذكر ظروف تلك الوقفات ، أيُها المصابون ، أيُها المحزونون ، أيُها المظلومون من الأخ والصديق ، قبل الظلم من العدو والبعيد ، فالنتذكر وقفات الإمام الحسين ( ع ) كيف كانت ؟ ومتى كانت ؟ ففي خطوة ، عندما كان في طريقه من مكّـة إلى كربلاء ، إلتقى الحسين(ع ) بعبيد الله بن حُرّ الجعفي ، وهو بطل من الأبطال ، شجاع ، كريم ، كبير قـوم ، فإستعان به الإمام الحسين ( ع ) وطلب منه النجدة ، نتأمل بعض الشيء في وضع الإمام في هذه اللحظة لماذا كان الإمام الحسين (ع ) هنا ، وفي هذا المنزل ، لأن معاوية قد مات ، ولأنّ يزيد ألمرفوض من ضمير الإسلام وضميرالحق والعدل وضمير المسلمين إستلم الخلافة ، وبعث يطلب بيعة الإمام الحسين (ع) في المدينة ، ومن الطبيعي أن الإمام الحسين ( ع ) يقــول : " مثلي لا يبايع مثله " ومن الطبيعي أن يرفض يزيد وحاكمهُ على الحسين (ع ) لفرض البيعة عليه لأن خضوع الناس لهُ ، ليس خضوع إرادة وقناعة ، إنما خضوع قـوّة ورهبـة وإرهـاب . عرض على الإمام الحسين ( ع ) البيعة ، فرفض ، ولكنّهُ لم يتمكن من البقاء في المدينة ، فخرج مع أهله وأصحابه ، وانتقل إلى مكّة ، إلى الحرم الإلهي ، إلى بيت الله الحرام ، وهناك ايضا بعد بقاء بضعة أشهر، عرف أنّ المقام لا يُمكن أن يتـم ، وأنّ الخطر مُحـدق به ، وحاشاه أن يهرب من وجه الخطر ، اذا كان دفع الحياة والروح ، ثمناً لإنقاذ الإنسان ولاستقامة الحـق ، ولكن الإمام الحسين (ع) أراد أن يحفظ الكعبة وبيت الله الحرام ، فلا يراق فيه دم ابن بنت رسول الله ، فتُستباح الحُرمات ، وتصبحُ البلدة الآمنة مُهددة ، بتجاوز كل طاغ وباغ ، في المستقبل ، خرج من مكة . اذاً ، الحرمان الشريفان ، الحرم المكّي ، والحرم المدنّي ، كانا مهددين ، وكان الحسين (ع) فيهما مهدداً ، فخرج ، إلى أين ؟ خرج ملبيّا دعـوة أهل الكوفة ، حيث بعثوا لهُ ، آلاف من الرسائل ، يطلبون منه ، أن ينتقل إلى الكوفة ، فهـم ، إذا انتقل إليهم ، يبايعونه ، وهم ، إذا جاء الحسين (ع ) ينصرونه ، وهـم يقفون معه لإقامة الحق وإبطال الباطل ، فخرج نحوهم ، وهو في وسط الطريق ، عرف بأنّ أهل الكوفة تحت وطأة الإرهاب أو الإغراء ، نكثوا ببيعتهم ، وقتلوا وكيل الحسين ومُمثل الحسين وابن عم الحسين وهو مسلم بن عقيل ابن ابي طالب ( ع ) إذاً ، الإمام الحسين (ع) في الطريق ، يُدرك أن آفاق الأرض والسماء قـد سـُدّت في وجهه ، فمكّة ، والمدينة ، لا تحتملانه ، والكوفة ، خانتهُ وامتنعت عن نصرته ، وها هو جيش جرار، من أهل الكوفة ، وبقيادة أعداءه ، وبأمر من يزيد الذي رفض هو بيعتهُ ، في طريقهم إلى الحسين لحصره ، ولأخذ البيعة منه ، غصبّـا ، أو قتـله . في هذه الحالة يلتقي الإمام الحسين (ع) بعبيدالله بن حُرّ الجعفي ، وعندما يرفض عبيد الله ، نصرة الحسين ، يقدم للحسين هديّة ، فيقول له . يا بن رسول الله . عندي فرس ، جيد ، وممتاز، فوالله ما أردتُ أحداً ، ما قصدتُ أحداً ، إلاّ وقد لحقتُ به ، وما قصدني أحداً ، إلاّ وقدتهُ ، يصفُ فرسه ، فيقول ، هذا الفرس عندما ركبتُ عليه ، لو قصدتُ أي إنسان ، لو قصدتُ أي هارب ، لأدركته ، ومن جهة أخرى . عندما كنت راكباً على هذا الفرس ، إذا قصدني إنسانٌ ، تمكّنتُ من أن أُفوّت الفرصة عليه ، يعني تمكنتُ من الفرار . الإمام الحسين لمس من إقتراح عبيد الله . أنه يقترح عليه الفرار . لأن الحسين ليس في الموقع الذي يتمكن من أن يقصد أحداً ، ويلاحق أحداً ، ويتهجم على أحد ، لأنهُ مطوّقٌ ومحاصر . بلاد الله الواسعة ، ضاقت عليه بما رحبت ، إذاً . ليس المطلوب أن يُدرك الحسين أحـداً . إذاً ، القسم الثاني من الحديث ، أنني عندما كنت راكبا على الفرس . ولحقني أي إنسان تمكّنتُ من أن أهرب من وجهه ، فشعر الحسين (ع ) من هذه الكلمة ، أنّه يقترح عليه الفرار ، فرفض بقسـوة ، وقال له يا بن عبيد الله ، أخرج من هذه الأرض ، فوالله ، إذا لم تخرج ، فقد أكبك الله بوجهك في نار جهنم ، أنت ، أيها الخائف القلق ، أنت ، أيها الضعيف الجبان ، يا عبد المال ، يا عبيد الأعداء ، تقترح على الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) صاحب التاريخ أن يهرب ، ماذا جرى في الدنيا ، إن هي إلاّ حياة وروح ونفس ، فليتركه الإنسان ، فليقدمه الإنسان ، لأجل بناء المجـد ، ورضا الله وتحرير الإنسان . هذه اللوحة ، وأمثالها من المئات ، التي تُزيّن ، بناء تاريخنا . وغُرف ذكرياتنا وواجهة نفوسنا وإرادتنا ، يومياً أمامنا . فنقول في كُل مجلس " يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزا عظيما " نحنُ اليوم أمام مصيبة ، لا شك ، ما هي المصيبة ؟ إحتلال من العدو الطامع ، إحتلال ذو أبعاد عديدة ، طمعٌ في الأرض ، طمعٌ في المياه ، طمعٌ في القلاع ، طمعٌ في الثروات ، طمعٌ في الآثـار التاريخية ، طمعٌ في التوسع ، كل هذا موجود ، بالإضافة إلى ذلك ، إعتداء على البيوت ، على الممتلكات ، مباشرةً بواسطة العـدو ، أو غير مباشرة ، بواسطة عملائه . في بعض الأماكن . حرقٌ للبيوت ، حرقٌ للمزارع ، محاسبة ، خلق مشاكل وفتن ، بالإضافة إلى ذلك حصرٌ في الأرزاق ، منعٌ للأقوات ، مُشكلة في العيش ، يضاف إلى ذلك ، ذلٌ في توزيع المؤونة في المناطق المحتلة من قبل العـدو . كل هذه الأخطار جانب ، والنزوح إلى جانب آخر ، والعيش في المنفى ، والعيش بعيداً عن الأرض والعيش بعيداً عن البيت ، بعيـداً عن القرى ، خطرٌ ذو وجهين : - ذلٌ ، وضياعٌ ، وتعريضٌ للإنحطاط ، في مكان النزوح . - وخطرٌ ، وطمعٌ ، من مختلف الفئات في الجنوب ، في المكان الذي تركناه . فهناك مطامع إستيطانية إسرائيلية معروفة ، وهناك مطامع إستيطانية طائفية معروفه إيضا . وهناك مطامع إستيطانية عربية ناتجة عن الكسل ، والفرار من الموقف ، والفرار من المسؤولية معروفة ، الأرض معرضة ،"غيابنا عن الأرض ، يُهـدد الأرض" ، هـذه هي المصيبة الثانية . والمصيبة الثالثة والأخطر ، أنّ العدو الطامع في أرضنا وفي بيوتنا وفي كرامتنا طامع إيضاً في تاريخنا وفي شرفنا وفي عزّتنا ، فنسمع يومياً من إذاعاته ، ومن الإذاعات العالمية ، أنّ مجموعة من الشيعة ، مطلوب منهم أن يلتحقوا بالميليشيات ، المعادية والعميلة للعدو ، أي فرد ، تمكّنتم خلال سنوات من الضغط ، ومن الإغراء ، ومن فتح الجدار الطيّب ، ومن كل وسائلكم وإغراءاتكم وفتنكم ، تمكّنتم أن تجتذبوه ؟ من الذي كان معكم ، عندما زحف الجيش الإسرائيلي واجتاح أرضنا الجنوبية الطاهرة ؟ لم يكن معهم واحد أبداً ، كلّ الناس الذين كانوا يتصورون أنّهم غير مبالين ، ومحتمل أن يتعاونوا معهم ، إبتعدوا عن الطريق ، ولم يكن معهم أحداً من أبناء الحسين وعلي (ع) ، بل ، لم يكن أحداً معهم ، من أبناء المسيح (ع). لم يكن معهم من أبناء لبنان البطل ، لبنان الذي وجـد ذاتهُ ، ووجد دينهُ الإسلامي والمسيحي ، في مواجهة ذات إسرائيل ، وفي مواجهة دينهم ، منذ أن كان من الأول الى الأخير ، رسالتنا في لبنان ، تتناقض مع رسالتهم ، فرسالتهم عُنصرية ، طائفية ، رافضة للتعايش ، ورسالتنا ، تعايش ، وإنفتاح ، وإنسانية مؤمنة للعالم . وجـودنا مناقض لوجـودهم ، مسيحنا تآمروا عليه وحاولـوا قتله ، إسلامنا تآمروا عليه ودسّوا فيه ألآف ، وعشرات الألوف من الأحاديث . إذاً ، كيف يمكن ، للجنوبي ، مهما كان نوعه ، ومهما تحمّل من العذاب ، أن يتعاون معهم وأن ينفتح عليهم ، وأن يقبض منهم ، وأن يعطيهم شيء ، أعـداؤنا ، أعـداء أرضنا ومائنا ومجدنا ، أعدائنا ، في تاريخنا ، وفي كل ما نملك ، إذاً ، ليس من المعقول هذا الذي يتهمون ، إنّه الطمع ، في التاريخ ، إنّهُ الطمع في أمجادنا وفي عزتنا ، إذن العـدو ، عـدو من جميع الوجـوه ، ومن جهة أخرى ، الأخطار التي تُهدد لبنان ، بسبب محنة الجنوب ، أخطارٌ لا تحدّ ولا توصف إيضاً . أخطار تؤدي إلى انتشار المحنة ، إلى المحنة الإجتماعية ، إلى الإنفجارات الداخلية ، إلى المصائب الجزئية المحليّة ، إلى التوتر ، إلى عرقلة سير الوفاق ، إلى صعوبة مهمة الشرعية ، هذه الأخطار إيضاً موجودة تماماً في ساحتنا ، أمام هذه المصائب ، ماذا نعمل ؟ هل نهرب ، من واجهة الاحداث ؟ كلا . هذا الذي يريدوه أعـدؤنا ، أولئك الذين ، بإسم الأصدقاء ، يشمتون ، ويتشفون ، ويهزأون ، ويسخرون ، أولئك الأعـداء الذين يلبسون ثوب الأصدقاء ، مصيبة أخرى ، كلا ، سنفوّت عليهم وعلى العـدو الحقيقي الفرص مع بعض التـأمل . الجنوب وحده تحمل عن لبنان وعن كل العرب مسؤلية القضية الفلسطينية . أيُها الأعزاء : لماذا أُصبنا بهذه المصيبة أيُها الإخوة ، لأنّ الجنوبي وحـدهُ ، تحمّل عن لبنان ، كُـل لبـنان ، وعن العرب ، كُل العرب ، مسؤولية القضية المقدّسة ، لا أقول كلمةٌ عابرة ، بل أقول شهادة يوم الجمعة ، وفي بيت الله ، وأمام التاريخ أقـول شهادة للجنوب ولأهل الجنوب ، حتى يعرف الشامتون ، وحتى يسمع الأعـداء ، ماذا كان الموقف ، ولماذا حصل ما حصل في هذه الدنيا ؟ . منذ ثمانية وأربعون بدأت إسرائيل بوضع المستعمرات المسلّحة في أرضها وفي مواجهتنا ، كان المطلوب أن نستعد ، فلم نستعد ، أهل الجنوب تحمّلوا هذه المواجهة ، تجمّد إقتصادهم ، سيطرة الرهبة على مناطقهم ، والجمود على إنتاجهم ومنتوجاتهم ، وبعد ذلك ، لبنان كعضوٌ في الجامعة العربية ، لبنان الملتزم بالميثاق العربي ، وفي فترة من الزمن بالقيادة المشتركة ، كان للبنان واجب ، وللبنان حـق . - واجب لبنان أن يقف في وجـه عـدو العرب المشترك . - وكان حـق لبنان أن يكون منفتحاً ، إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً ودبلوماسياً بالعالم العربي ، كُلّ العالم العربي . المفارقة ، أنّ الجنوب وحـدهُ ، تحمّل الواجب ، ولبـنان ، كُل لبـنان ، إستلم الحـق . فعندما كان يقول لبنان ، أنني مع القضية ، وعندما كان يذهب رئيس لبنان ، ويتحدث في الأمم المتحدة عن القضية ، وعندما كان يشترك وفد لبنان في العالم ، وفي المؤتمرات ، وينطق بإسم القضية ، من الذي كان يتحمّل القضية ، غير الجنوب وحدهُ من دون أي مساعدة ؟ إذاّ ، الجنوب تحمّل وحـدهُ عبء القضية الفلسطينية ، عن كلّ لبنان ، والثمن ، والحـق ، والأرباح ، والغنائم ، وصلت إلى كلّ لبنان . من فجـّر جبهة الجنوب وأشعلها . أما عن العرب ، فالعرب إشقاؤنا ، عزّتُهم عزّتُنا ، وهزيمتُهم هزيمتنا ، نصاب بما يصابون ، ولكن عليهم أن يقدروا المواقف حق قدرها ، أمام القضية المشتركة التي تتفاعل منذ ثمانية وأربعون ، حتى الآن في كل أوطاننا العربية ، أمام هذه القضية التي ، أسقطت دولاً وأنظمة ، ورفعت دولاً وأنظمة . كُل التطورات ، كل الموازنات ، كل المناهج السياسية في العالم العربي ، تتأثر ، بمعادات إسرائيل ، وبهذه القضية المقدّسة . عندما كانوا يبحثون ، في منع إسرائيل لتحويل نهر الأردن ، لبنان شارك معهم ، لبنان بفاعلية شارك معهم ، لأن روافـد نهر الأردن ، بعضها ، تنطلق من أرض لبنان الجنوبي ، نحن وافقنا وبدأنا نمنع الروافد ، وأردنا أن نستثمر الحاصباني والوزاني والمياه التي كانت موجودة ، فضربتنا إسرائيل فلم يحمنا أحد ، ولم تدافع عنّا أية دولة ، وأي جيش رغم عطاؤنا للكُل وأردنا أن نستثمر الليطاني ، فنروي 45 ألف هكتار من أرض الجنوب ، فبدأت إسرائيل من هنا وهناك ، تلعب ، وتمنع ، وتتدخل في الأوساط الدولية لمنع التمويل ، فلم تمولنا دولة عربية ، ولا تساعدنا منظمة أو مؤسسة أو صندوق ، في هذا الأمر ، وفي محنة الحرب إيضاً ، عندما كانت الجبهات الأخرى هادئة ، كانت جبهتنا منفجرة ، من الذي فجر الجبهة في الجنوب ؟ ليس اللبنانيون هم الذين فجروا الجبهة ، لأن أرضهم في الجنوب لم تكن محتلة . "العرب فجروا الجبهة في الجنوب" . وبعض المسؤولين ، وافق على تفجير الجبهة ، عندما وافق على انتقال المقاومة الفلسطينية إلى الجنوب ، مسؤول رسميّ في الحكومة ، يوافـق رسميّا على ذلك ، إذاّ ، ليس أهل الجنوب هم الذين فجروا الجبهة ، فالعالم العربي ساهم إيضاً في تسخين الجبهة وتفجيرها ، ولم يقف مع لبنان أبداً وجنوب لبنان وحـدهُ دفـع الثمن . إذاً ، العبء الإجتماعي ، والعبء الجغرافي ، والعبء الديموغرافي ، والعبء العربي، والعبء الإقتصادي ، والعبء النفسي ، والعبء الإعلامي في العالم ، كان على عاتق الجنوب وحدهُ منذ ثمانية وأربعون حتى يومنا هذا ، فدُلّني بالله عليك أي شعب ، أي قبيلة ، أي منطقة عربية أعطت للقضية العربية الكبرى ، ما أعطت أرض الجنوب وأهل الجنوب ، ثم يطلبون منّا بعد ذلك ، أن لا نشارك في القرارات ، وأن لا نبحث في الأحداث ، وأن نتحمّل وحدنا الثمن . كلا ، إنّ ذلك لن يكون بعد اليوم بإذن الله . أيُها الإخوة الأعزاء . مصيبتنا ، أننا تحمّلنا وحدنا عبء لبنان ، ومسؤولية لبنان ، وواجبات لبنان تجاه أشقائه واتجاه القضية العربية والمواجهة مع العـدو المشترك . مصيبتنا أنّ لبنان وحـدهُ ، تحمّل مسؤولية هذه القضية بالنسبة للدول العربية الأخرى ، ومصيبتنا هي في عدم التكافؤ في الحرب ، وإذا كان من شماتة ، وإذا كان من إتهام بالضعف يوجّه إلينا ، واتهامنا بالخروج من الجبهة ، فليتحمل المسؤولون من هنا وهناك هذه المسؤولية . وآخر من يتحمّل مسؤولية الخروج من الجبهة هو الجنوب وأهل الجنوب . نحن هنا نقف لنقول : هذه المصيبة ، حاولت أن أشرح جزءً منها ، ويشهد الله إنني حاولت أن أشرحهُ هو جزء منها ، ولا أريد أن أضعف معنوياتكم ، ولكن أقول لكم في الوقت نفسه ، نحن تاريخنا واضح يبدأ بالتضحيات وتحمّل المسؤوليات ، في المواقف العلوّية والحسينيّة التي تقول : بعد أن كانت المدينة ومكّة والكوفة وكل العالم ، ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، يقول . كلا ، أخرج من هذه الأرض ، فالذي لا يسلك هذا السبيل ويمتنع عن نصرتنا . هذا كلام الحسين (ع) لعبيد الله الجعفي ، فسوف يكبّهُ الله على وجه في نار جهنم . التحرير مسؤوليتنا وحـدنا بالموقف الحسيني وبالمقاومة ونحن مهما عظم المصاب فلا يمكن أن نستسلم أو نقف ، نحن نعود إلى الجنوب ، وعلينا أن نعود إلى كُل الجنوب ، وعلينا أن نسعى في سبيل تحرير الجنوب ، والسبيل إلى ذلك هو . أنّ لنا دولة ، ولنا رئيس ، ولنا نظام سياسي ، فالحرب خُطة ، ما هي الخُطة ؟. خُطة الدولة للتحرير، لإزالة رجز المستعمر من الجنوب تختارهُ الدولة ونحن مع الدولة ، وفي الوقت نفسهُ إنّ مسؤولية تحرير الأرض ، ومسؤولية إزالة العدو وإرهاقه ، إذا لم يخرج من الجنوب . هي مسؤوليتنا وحدنا ، لا نريد من أحد من الأشقاء ، ولا نريد من المقاومة الفلسطينية إيضا ، أن تساهم في معالجة هذا الأمر ، لأن إسرائيل تتذرع إذا دخل غير اللبنانيين في سبيل تحرير أرضهم ، نحن سنكفل بذلك وسنتحدى العالم بذلك ، وسنقول للعالم ، أرضنا أحتُلت ، ليس بسببنا أبداً ، وليس بإرادتنا أبداً ، تآمر دولي ، وإهمال عربي ، أديّا إلى ذلك ، فنحنُ سنكفل بإزالة أثره وإنهائه ، وهكذا نرتبط بتاريخنا ، ونقول لأنفسنا أولاً ، وللمواطنين ثانياً ، وللعرب ثالثاً ، وللعالم أجمع رابعاً، نقول لهم بالحرف الواحد ، وبالكلمة الواحدة ، أننا نحنُ ، لا يمكن أن نقبل أنّ التاريخ الذي كان مشرقاً ، توارثهُ الكابر عن الكابر ، ورسمهُ أيادي وأقلام ، ودماء الأبطال ، الحُسينيين والعلويين ، لا يمكن أنّ هذا التاريخ ، عندما يصل إلى يدنـا ، إلى قبضتنـا ، إلى دورنـا ، إلى جيلنـا ، أن نشـوّه هـذا التاريخ المشرق ، مهما تعاضمت المصائب ، فنحن سنبقى واقفين ، نحمل المشعل ، ونحمي جنوبنا ، ونحمي لبناننا ، ونحمي سلامة سير لبنان ، وإستقامة سلوكه ، وشرعيته العادلة ، وتكافؤ الفرص ، نحن نقف نحمل مشعلنا التاريخي ، ولا يمكن أن نقبل ، بأنّ جيلنا يشوّه التاريخ ، ويشكّل ثغرة في الإمتداد التاريخي ، ولا يمكن أن نقبل أن منطقتنا العزيزة تشكل تشويهاً في أرض لبنان البطلة ، وتشكّل ثغرة فيها ، مهما قال المُتخرسون ، الناطقـون ، الأعداء الحقيقيون للبنان ، مهما قالوا ، فنحن نحترم هذه الأرض المباركة ، ونُريد وحدتها ووحـدة أبنائها ، وعزّة شأنها ، وعلوّ مكانها ، وعـدالة مواطنيها ، حتى ولو ظلمنا من قبل بعض أبنائنا . وهكذا نؤدي واجبنا المقدّس ، هذا الحساب الذي يرتسم أمامنا يوم الجمعة ، الذي نتحمّل عبء تحرير أرضنا وإن تخلّى العالم عن نصرتنا ، هذا الواجب يرتسمُ أمامنا يوم الجُمعة المباركة ، عندما نحاسب أنفسنا ، ندرس الماضي ، عمق المصاب ، وألم الفجيعة والمصيبة ، نواجه المصيبة بعقل ، وتأمل ورويّة ، فلا نجزع بالذي جرى على أرضنا ، ولا نتصرّف بأعصاب متوّترة وعند ذلك ، نتمكن من أكتشاف الخلل في جسم الوطن والمواطن ، فنعالج مشاكله في المستقبل ، بما يكفل شفاءه وإستقرارهُ وأمنهُ ، أقول هذا الكلام علناً ، ويوم الجُمعة بالذات ، ومن على الإذاعة ، ليُكتب علينا مسؤوليةً ، وتعهداً ، وواجباً ، وإلتزاماً أمام التاريخ والوطن ، وأمام العرب والعالم ، وقبل كل شيء أمام لبنان الحبيب ، وبعـد كُل شيء ، وقبل كُل شيء ، وفـوق كلّ شيء ، أمام الله سبحانه وتعالى والعصر إنّ الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر . صدق الله العظيم . (إنتهاء الكلمة ) ...
عدل سابقا من قبل علي محمّد الزّين في الإثنين مارس 14, 2011 7:07 am عدل 1 مرات | |
|
Dr.ALI مدير عام المنتدى
عدد المساهمات : 797 تاريخ التسجيل : 30/12/2010
| موضوع: رد: خطبة الجمعة للإمام موسى الصدر بتاريخ 1978/3/31 / تسجيل صوتي / الإثنين مارس 14, 2011 4:58 am | |
| فنحن نحترم هذه الأرض المباركة ، ونُريد وحدتها ووحـدة أبنائها ، وعزّة شأنها ، وعلوّ مكانها ، وعـدالة مواطنيها ، حتى ولو ظلمنا من قبل بعض أبنائنا . وهكذا نؤدي واجبنا المقدّس ، هذا الحساب الذي يرتسم أمامنا يوم الجمعة ، الذي نتحمّل عبء تحرير أرضنا وإن تخلّى العالم عن نصرتنا ، هذا الواجب يرتسمُ أمامنا يوم الجُمعة المباركة ، عندما نحاسب أنفسنا ، ندرس الماضي ، عمق المصاب ، وألم الفجيعة والمصيبة ، نواجه المصيبة بعقل ، وتأمل ورويّة ، فلا نجزع بالذي جرى على أرضنا ، ولا نتصرّف بأعصاب متوّترة وعند ذلك ، نتمكن من أكتشاف الخلل في جسم الوطن والمواطن ، فنعالج مشاكله في المستقبل ، بما يكفل شفاءه وإستقرارهُ وأمنهُ
كأنه يعيش واقعنا فلكل كلمة وقعها على حاضرنا
ما زال الامل كبير بعودته
شكراً لك سيد ابو قاسم
مشاركة رائعة لشخصية رائعة من انسان رائع | |
|
علي محمّد الزّين مشرف الشؤون السياسية
عدد المساهمات : 536 تاريخ التسجيل : 01/03/2011 العمر : 58
| موضوع: رد: خطبة الجمعة للإمام موسى الصدر بتاريخ 1978/3/31 / تسجيل صوتي / الإثنين مارس 14, 2011 7:15 am | |
|
كأنه يعيش واقعنا فلكل كلمة وقعها على حاضرنا ما زال الامل كبير بعودته شكراً لك سيد ابو قاسم مشاركة رائعة لشخصية رائعة من انسان رائع
ألف شكر لك أخي العزيز ، فالإمام السيّد موسى الصدر الذي لديه رؤية ثاقبة حيث كان هذا القائد العملاق يرى ويسبق زمانه وعصره بعشرات السنين ، مجدداً أشكرك أخي العزيز على لطافتك وردك وذوقك ، ولكن لنقرأ الإستراتيجية عن الدفاعية عن لبنان للإمام الصدر في وسط الكلمة ، إذاً ، هكذا يتكلم القادة التاريخيون .
التحرير مسؤوليتنا وحـدنا بالموقف الحسيني وبالمقاومة ونحن مهما عظم المصاب فلا يمكن أن نستسلم أو نقف ، نحن نعود إلى الجنوب ، وعلينا أن نعود إلى كُل الجنوب ، وعلينا أن نسعى في سبيل تحرير الجنوب ، والسبيل إلى ذلك هو . أنّ لنا دولة ، ولنا رئيس ، ولنا نظام سياسي ، فالحرب خُطة ، ما هي الخُطة ؟. خُطة الدولة للتحرير، لإزالة رجز المستعمر من الجنوب تختارهُ الدولة ونحن مع الدولة ، وفي الوقت نفسهُ إنّ مسؤولية تحرير الأرض ، ومسؤولية إزالة العدو وإرهاقه ، إذا لم يخرج من الجنوب . هي مسؤوليتنا وحدنا ، لا نريد من أحد من الأشقاء ، ولا نريد من المقاومة الفلسطينية إيضا ، أن تساهم في معالجة هذا الأمر ، لأن إسرائيل تتذرع إذا دخل غير اللبنانيين في سبيل تحرير أرضهم ، نحن سنكفل بذلك وسنتحدى العالم بذلك ، وسنقول للعالم ، أرضنا أحتُلت ، ليس بسببنا أبداً ، وليس بإرادتنا أبداً ، تآمر دولي ، وإهمال عربي ، أديّا إلى ذلك ، فنحنُ سنكفل بإزالة أثره وإنهائه ، | |
|